مكافحة الفساد

بيان صادر عن مؤسسة مهارات بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد

يأتي اليوم العالمي لمكافحة الفساد ولبنان ما زال يحتل المستويات الدنيا في مؤشرات مدركات الفساد كما انه لم يحرز اي تقدم على مستوى الشفافية المالية، وذلك على الرغم من اقرار قوانين اصلاحية كان من المفترض أن ترفع إيجابًا من مرتبة لبنان على مستوى تصنيفات الفساد. لكن القوانين الاصلاحية لم تؤت بأهدافها المرسومة في شكل كبير حتى الآن. فقانون الحق بالوصول إلى المعلومات تعتريه الكثير من النواقص في الالتزام والتطبيق من خلال امتناع عدد كبير من الادارات والمؤسسات والبلديات عن النشر الحكمي للمعلومات والصفقات والقرارات لأسباب مختلفة. كما ان القانون الذي لم ينتشر كثقافة في شكل كبير بين المواطنين والناشطين والصحافيين تعتريه أيضًا عوائق كبطء  تلبية طلبات الحق بالوصول إلى المعلومات أو حتى عدم الاستجابة رغم أن قرارات مجلس شورى الدولة جاءت لتكرس هذا الحق وتلزم الوزارات والادارات بتنفيذ طلباته والافصاح عن المعلومات المطلوبة. الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي تشكل المرجع القانوني الأول للبت بالشكاوى الناشئة عن رفض طلبات الحصول على المعلومات بقيت مجرد هيكل فارغ من القدرة على لعب دورها لسنوات وقبل فترة بدأت بالقيام بهذا الدور واصدار قراراتها. قانون حماية كاشفي الفساد الذين تشكل الهيئة ملجأهم لم يشهد استخدامًا عمليًا من قبل موظفين أو مواطنين أو غيرهم. أما قانون الشراء العام فيحتاج الى تطبيق عدد من المواد والاصلاحات التي لم تطبق حتى الآن من أجل تدعيم محاربة الفساد أهمها تشكيل هيئة الاعتراضات واستكمال تشكيل هيئة الشراء العام ورفدها بالموارد والأنظمة والبدء بتطبيق الشراء الالكتروني واولى خطواته انشاء المنصة الالكترونية المركزية تحضيرًا لتطبيق الشراء الالكتروني كاملًا. 

 

 

واننا اليوم ومع إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، لا بد من متابعة الادارة المالية لعمليات الاستجابة للاضرار التي خلفتها الحرب وعملية اعادة الاعمار والسؤال عن الآلية التي يتم اعتمادها لضمان توزيع شفّاف وعادل للمساعدات وإلى أي مدى يتمّ تطبيقها، بالإضافة إلى السؤال حول آلية الرقابة اللاحقة التي ستعتمد من الجهات الرقابية على كيفية صرف المساعدات.

 

وتذكر مؤسسة مهارات بأهمية الحق بالوصول الى المعلومات ودوره في تعزيز الشفافية لدى الحكومات والمؤسسات العامة وتمكين المواطنين من محاسبة المسؤولين على أفعالهم وقراراتهم، وتشدد على الدور الأساسي الذي يلعبه الاعلام في تعزيز حق الوصول الى المعلومات ومراقبة شفافية أعمال الحكومة والمؤسسات العامة لاسيما الشفافية المالية فيضيء على القضايا الإيجابية في إدارة المال العام كما يلاحق قضايا التعتيم والتضليل والهدر والفساد في إدارة المال العام وجبايته وإنفاقه. كما أن الحق الذي يكرسه القانون ويحيطه بالضمانات لتحقيق الغاية منه هو المسار الصحيح لتعزيز مفهوم دولة القانون التي تشكل غاية المجتمعات السياسية.

 

وقد خطا لبنان خطوة في هذا المسار من خلال اقرار قانون الحق في الوصول إلى المعلومات رقم 28 تاريخ 10/2/2017. وان تفعيل تطبيق أحكام هذا القانون هو ضرورة ملحة لتعزيز الحق في الوصول إلى بالمعلومات. وقد ساهمت خطوات مهمة في مسار ضمان هذا الحق، ومنها البدء بتنفيذ الخطة الوطنية لتطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات وصدور المرسوم التطبيقي لبعض نصوصه بموجب المرسوم رقم 6940 الصادر بتاريخ 8/9/2020 وتشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المعنية في إلزام الادارة بالإفصاح عن المعلومات التي رفضت الإجابة عليها بناء لطلبات المعلومات.

 

إلا أنه بالرغم من كل هذه الجهود المبذولة لا زالت سياسة التعتيم هي الطاغية لدى معظم مؤسسات الدولة وإداراتها، لاسيما التي تلعب دورًا اساسيًا في إدارة المال العام وانفاقه. حيث لا تلتزم هذه الإدارات في الكشف عن المعلومات الأساسية والضرورية أو الإجابة على طلبات المعلومات لاسيما تلك التي يتقدم بها إعلاميون في إطار ممارسة عملهم الصحافي. 

 

وقد باشرت مؤسسة مهارات بالتعاون مع الصحافيين المعنيين في إعداد عدة طعون بقرارات رفض الاجابة على طلب المعلومات لتقديم مراجعات أمام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والتي يعول عليها في إلزام الإدارات العامة في الإفصاح عن المعلومات.

 

كما تدعو مهارات الحكومة اللبنانية لاتخاذ إجراءات عاجلة لإلزام كل الادارات والمؤسسات والجهات الخاضعة لتطبيق أحكام القانون تعيين موظف المعلومات وتوفير الدعم لهم للقيام بمهامهم. اضافة إلى إنشاء بوابة إلكترونية موحدة تسمح لكل الإدارات والمؤسسات المعنية بموجب النشر الحكمي أن تنشر المستندات والمعلومات الواجب نشرها تسهيلًا لحق المواطنين في الاطلاع والمشاركة والمحاسبة لاسيما تلك المتعلقة بالمساعدات وإعادة الاعمار.

 

إن صعوبة الوصول إلى المعلومات تدفع الصحافيين الى اللجوء إلى مصادر مجهّلة وفي وقت تُعتبر فيه العودة إلى المصادر الموثوقة والمتخصّصة من ضرورات العمل الصحفي ومؤشر على مهنيته. إذ بينت دراسة لمهارات حول التغطية الاعلامية لقضايا الشفافية المالية في تحليل تغطيات الأخبار التلفزيونية المتعلقة بالشفافية المالية أن 90% من التغطيات وردت من دون العودة إلى مصدر محدد، وفقط 10% من هذه التغطيات استندت إلى مصادر. فيما جاءت نسبة المصادر في التغطيات الصحافية أعلى بقليل منها في الأخبار التلفزيونية وبلغت نسبتها 15%.  

 

من هذا المنطلق أطلقت مؤسسة مهارات مرصد الشفافية المالية في أيار الماضي الذي يتابع النقاش العام حول الشفافية المالية وعناوينها الرئيسية وقياس دقة المعلومات المتداولة حول قضايا الموازنة العامة والإنفاق العام واستغلال موارد الدولة والرقابة عليها وتوفر من خلال المرصد خطًا ساخنًا للصحافيين لمساعدتهم في الوصول إلى مصادر ومعلومات موثوقة في مجال الشفافية المالية ومتابعة مسار الإصلاحات القطاعية. وسيكون تركيز المرصد في الأشهر القادمة على مراقبة شفافية الإدارة المالية للمساعدات وإعادة الترميم.

 

ويكمّل حق الوصول إلى المعلومات تفعيل حق الصحافي في حماية مصادره ما يسهم في ضمان بيئة إعلامية آمنة للعمل الاعلامي ويجعل من سلسلة الإفصاح عن المعلومات التي تهم الجمهور محمية وتصب في المصلحة العامة. وهذا ما تسعى مهارات لإقراره بالتعاون مع اللجان النيابية المختصة في إطار إصلاح قوانين الإعلام في لبنان.