حماية سلامة المعلومات في ضوء الانتخابات اللبنانية 2026
المنتدى اللبناني لحوكمة الإنترنت
عنوان الجلسة: حماية سلامة المعلومات في ضوء الانتخابات اللبنانية 2026
تنظيم: مؤسسة مهارات
إدارة الجلسة: الاعلامي وليد عبود
المتحدثون:
اليسار نداف - رئيسة مجلس الإدارة والمديرة العامة لتلفزيون لبنان
جلنار أسمر - مسؤولة الإعلام والتواصل في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - مشروع دعم الانتخابات والمجلس النيابي في لبنان
غسان مخيبر - نائب سابق وخبير قانوني
نصري مسرّه - رئيس قسم الاجتماع والتواصل في جامعة القديس يوسف (USJ) وخبير دولي في الاتصال الرقمي
في إطار المنتدى اللبناني لحوكمة الإنترنت الذي عُقد في Beirut Digital District، نظّمت مؤسسة مهارات ندوة بعنوان "حماية سلامة المعلومات في ضوء الانتخابات اللبنانية 2026"، وذلك في 11 كانون الأول 2026 ناقش من خلالها المتحدثون التحديات المتزايدة المرتبطة بالتطور التكنولوجي وانتشار المعلومات المضلِّلة، والتزييف العميق ـdeep fakes، وتطرقت من خلالها الى دور الإعلام العام والمجتمع المدني، وتطوير الاطر القانونية بما يخدم حماية نزاهة المعلومات لاسيما في ضوء العملية الانتخابية.
وأُتيح المجال لأسئلة ومداخلات من الجمهور، لتخلص الجلسة للعديد من الرسائل المفتاحية والتوصيات التي تشكّل أساسا لتأمين سلامة المعلومات بشكل عام وخصوصا خلال استحقاق الانتخابات النيابية.
أولًا: دور الإعلام العام في حماية سلامة المعلومات
افتتحت الجلسة بالسؤال عن دور الإعلام العام في حماية سلامة المعلومات، إذ اعتبرت رئيسة مجلس ادارة تلفزيون لبنان اليسار نداف أن سلامة وحماية المعلومات شرط أساسي لضمان شفافية الانتخابات النيابية، مشددة على أن المعلومات المضللة تشكّل خطراً مباشراً، لا سيما في سياقات الأزمات والحروب، لما لها من تأثير على السلم الأهلي وعلى صورة المرشحين.
وأوضحت أن تلفزيون لبنان، بصفته إعلاماً عاماً، يعمل على، تأمين فرص متساوية لجميع المرشحين دون تمييز، مكافحة المعلومات المغلوطة عبر اعتماد آليات تحقق وتدريب الموظفين على fact-checking واعتماد الوكالة الوطنية للإعلام كمرجعية رسمية للمعلومات.
وأكدت نداف أن استقلالية الإعلام العام تمنع تبنّي المعلومات المضللة والشائعات أو توظيفها سياسياً ضد مرشحين بعينهم، ورأت أن هذه المعلومات باتت آفة اجتماعية، إلا أن مسؤولية الإعلام الوطني تكمن في عدم الانجرار خلفها وتصحيحها.
وفي ما يخص الإعلانات الانتخابية، أكدت نداف أن تلفزيون لبنان كونه الإعلام العام يرفض الإعلان السياسي المدفوع، لما يشكّله من مساس بمبدأ المساواة والديمقراطية، داعية إلى برامج انتخابية مجانية ومتساوية تتيح للمواطنين الاطلاع على برامج المرشحين دون تأثير مالي أو سياسي.
كما أشارت إلى تغييرات بنيوية داخل تلفزيون لبنان، منها إلغاء المقدمات الإخبارية التي كانت تساهم برأيها في تحوير الرأي العام أو ترويج المعلومات المضللة والخاطئة.
ثانيًا: دور المجتمع المدني في مواجهة المعلومات المضللة
أوضحت رئيسة قسم التواصل في برنامج الأمم المتحدة الانمائي جلنار أسمر أن المجتمع المدني قادر على لعب دور محوري في مكافحة المعلومات الخاطئة والمضللة، من خلال الشراكات والمشاريع التوعوية.
وأشارت إلى أن UNDP تعمل مع مؤسسات إعلامية، بينها تلفزيون لبنان والوكالة الوطنية للإعلام، على حملات التوعية بالقانون الانتخابي والتثقيف الانتخابي، إنشاء Fact-checking Desk بالتعاون مع طلاب جامعيين لرصد المعلومات المضللة والتحقق منها ونشرها على الوكالة الوطنية للإعلام وذلك بالتعاون مع وزارة الداخلية ووزارة الإعلام، وأيضا دعم هيئة الإشراف على الانتخابات عبر تدريب متطوعين لمراقبة الإعلام التقليدي ومنصات التواصل الاجتماعي وإصدار تقارير دورية تحت إشراف الهيئة لتستطيع بذلك لعب دورها الرقابي في الانتخابات النيابية.
كما شددت على أهمية التربية المدنية، لا سيما عبر العمل مع المدارس والشباب، لترسيخ مفاهيم الشفافية، الديمقراطية، والمساءلة، معتبرة أن التوعية المبكرة تشكّل خط دفاع أساسي ضد المعلومات المضللة.
ثالثًا: التحديات التقنية والرقمية
وخلال الندوة، تحديدا في ما يخصّ التحديات التقنيّة والرقمية، عرض رئيس قسم التواصل في جامعة القديس يوسف نصري مسره نتائج دراسات رصد إعلامي أُجريت خلال الانتخابات النيابية السابقة، مبيّنا أنّ التحقق من المعلومات يحتاج إلى وقت، في مقابل سرعة انتشار الأخبار المضللة، خصوصا مع الذكاء الاصطناعي وتقنيات الـdeep fakes، أيضا تبيّن من خلال الدراسة أن تطبيق واتساب يعدّ المنصة الأكثر انتشارا للمعلومات المضلّلة، بسبب صعوبة تتبع المصدر ومسار الانتشار، بينما على منصات أخرى، يمكن شراء البيانات وتحليلها لتحديد الجهات التي أطلقت الخبر المضلل.
وأشار في هذه النقطة إلى أن فرق الرصد قادرة على التحقق من المعلومات المضللة خلال 24 ساعة، وقد تم خلال انتخابات سابقة مراقبة نحو 3 ملايين تغريدة، إلا أن التكلفة المالية مرتفعة، ما يدفع إلى اعتماد منهجية العينات بدلاً من الرصد الشامل لتجنّب التكلفة العالية.
وسلّط الضوء على خطورة الحملات الرقمية المنسّقة، مستشهداً بانتشار نحو 80 ألف تغريدة تناولت الناشط لقمان سليم قبل أيام من اغتياله.
رابعًا: الإطار القانوني لحماية سلامة المعلومات: بين النص والتطبيق
ميّز النائب السابق والخبير القانوني غسان مخيبر بين قانون الإعلام وقانون الانتخابات، موضحاً أن معالجة الأخبار الكاذبة خلال الحملات الانتخابية تقع أساساً ضمن قانون الانتخابات.
وأكد أن المشكلة الأساسية ليست في غياب النصوص القانونية، بل في غياب التطبيق، منتقدا تقاعس هيئة الإشراف في الانتخابات النيابية عن إحالة المخالفات إلى القضاء، مسلطا الضوء على تقاعس الجهات القضائية المختصّة عن إصدار قرارات رادعة للمخالفين، بالإضافة إلى عدم لعب المجلس الدستوري دوره الكامل عند ثبوت مخالفات أثّرت على نتائج الانتخابات.
أما في ما يخصّ اقتراح قانون الإعلام الجديد والذي من المفترض انه انتقل اليوم من اللجان إلى الهيئة العامّة للتصويت عليه قريبا، أشار مخيبر إلى أنّ الاقتراح تطرّق إلى المعلومات المضلّلة بأحكام مدنية خاصة تنظر بها محاكم مدنيّة مع الغاء عقوبة الحبس لكل القضايا المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، مع التشديد على أن الـdeep fake بنظره يعتبر شكلاً من أشكال التزوير.
بالإضافة إلى ذلك وفي نفس السياق، ينص اقتراح القانون الجديد على إنشاء هيئة وطنية مستقلة للإعلام، مهمتها وضع مدونات سلوك أخلاقية وتقييم الأداء الإعلامي في الأوقات العادية والانتخابية.
وشدّد مخيبر على أن لا دولة دون تطبيق القوانين، داعيا وسائل الإعلام إلى تحمّل مسؤولياتها الأخلاقية، في ظل تواطؤ بعض المؤسسات الاعلامية مع الطبقة السياسية.
خامسًا: قضايا مستجدة التصويت الإلكتروني والذكاء الاصطناعي
ناقش المشاركون بعدا آخر يطرحه التطور الرقمي وهو مسألة التصويت الإلكتروني (Online Voting)، حيث أُبديت مخاوف جدية تتعلق بحماية البيانات، وإمكانية التلاعب، وصعوبة تحديد التأثير على خيارات الناخبين، لاسيما مع النقص في الإطار التشريعي لحماية البيانات في لبنان.
الخلاصة والتوصيات
أجمعت مداخلات الندوة على أن حماية سلامة المعلومات خصوصًا في الانتخابات النيابية 2026 تتطلب مقاربة شاملة تتقاطع فيها الأبعاد الإعلامية، القانونية، التقنية، والتربوية، وأن التحديات ليست فقط نظرية في ظل تسارع تطوّر أدوات التكنولوجيا التي تسهل انتاج ونتشار المعلومات المضللة.
من خلال الندوة، برزت العديد من التوصيات لتعزيز وحماية سلامة المعلومات في ضوء الانتخابات النيابية القادمة وهي:
- تعزيز التربية الاعلامية والرقمية في المدارس وإدماج التربية الإعلامية والمعلوماتية في المناهج التعليمية، لمواجهة المعلومات المضللة.
- تعزيز دور الإعلام العام وتأمين استقلاليته الكاملة، لما له من دور في تأمين عدالة التمثيل والمساواة بين المرشحين واتاحة المساحات المجانية للظهور بعيدا عن الإعلانات الانتخابية المدفوعة.
- تفعيل دور هيئة الإشراف على الانتخابات ومنحها الموارد، الصلاحيات، والإرادة السياسية اللازمة لأداء دورها الرقابي وتمكينها من الاستعانة بالخبرات في مجال الحوكمة الرقمية وحماية نزاهة المعلومات اثناء الانتخابات.
- تطبيق القوانين القائمة، لا سيما قانون الانتخابات، لناحية تنظيم العملية الانتخابية لاسيما الاعلام الانتخابي ومحاربة المعلومات المضللة.
- إقرار قانون الإعلام الجديد باعتباره إصلاحا بنيويا، مع إنشاء هيئة وطنية مستقلة للإعلام.
- توسيع مبادرات التحقق من المعلومات بالشراكة بين الإعلام العام والخاص، الجامعات، والمجتمع المدني.
- الاستعداد المبكر لمخاطر الذكاء الاصطناعي والـdeep fakes عبر تطوير أدوات تقنية وتعاون بين جميع أصحاب المصلحة واعتماد مقاربات استباقية لتعزيز الفكر النقدي عند استهلاك المعلومات.

