مستقبل الإفلات من العقاب وانعدام الأمن في لبنان، ثلاث سنوات بعد انفجار بيروت
1. لا سلام بدون عدالة – تأخير العدالة هو إنكار للعدالة
بعد ثلاث سنوات على الكارثة التي أودت بحياة أكثر من 220 شخصا، وجرحت أكثر من 7000 جريح، وأعاقت أكثر من 1000 شخص، وشردت أكثر من 300000 شخص، يواجه سكان لبنان مستقبلا قاتما يتمثل بالحكم الفاشل، والإفلات من العقاب، وانتهاك السلامة العامة وحقوق الإنسان، وعلى رأسها انعدام الأمن.
ما زلنا نعيش مع مرتكبي جريمة انفجار بيروت، لكن حان وقت اتهامهم بالقتل، والمساهمة في التسبب في الانفجار، وتكديس البضائع المحفوفة بالمخاطر، وتعريض أمن المرفأ والبلد للخطر، وتلويث البيئة. العدالة للبنان وفي لبنان لا شك انه لا يمكن أن يكون هناك سلام بدون عدالة.
إن التأخير في تحقيق العدالة هو وسيلة لهزيمة العدالة وإنكارها. في حين أن سيادة القانون، المتمثلة في القضاء المستقل، هي مبدأ أساسي للمجتمع الليبرالي والديمقراطي، فإن القضاء يتحمل مسؤولية تحديد وتبرير وتطوير الحقوق التي لها تأثير هائل على كيفية تطور مجتمعنا وازدهاره، ومع هذا التطور يأتي الأمن البشري المعزز. ومع ذلك، فإن التأخير غير الضروري والمكلف للعدالة يعيق الوصول اليها.
بعد ثلاث سنوات من الانفجار، ما زالت عائلات الضحايا غير قادرة على الدفاع عن حقوقها من خلال قضاء مستقل، حيث لجأت إلى المساعدة الذاتية في المحاكم الأجنبية. عندما تطغى المصالح الشخصية على المصلحة العامة وتتناقض معها، كما أظهر تاريخ لبنان منذ الحرب الأهلية، يتشوه مفهوم العدالة في المجتمع ومن ثم الأمن الإنساني للبلاد. ولذلك، يجب أن يتمتع المواطنون والمقيمون بعدالة منصفة وفعالة.
2. لا أمن بدون سيادة القانون
بعد ثلاث سنوات على أكبر انفجار غير نووي في التاريخ، وما يشير إليه اللبنانيون بنقطة الصدمة حيث وصل الأمن البشري في لبنان إلى الحضيض، ما زلنا نعيش في العبثية. ولكن، لا يمكننا الاستمرار في المسار.
فالأمن البشري هو التحرر من الخوف والعوز، وهو أمر ما زال غير قابل للتحقيق إذا استمر القضاء في منح الحصانة السياسية. يضع الأمن البشري الفرد في مركز الأمن، ويبدو أن لبنان بعيد كل البعد عن هذا الإدراك نظرا إلى كثرة الأزمات غير المعالجة، بما في ذلك انعدام الأمن الاقتصادي والغذائي والصحي والبيئي والسياسي والشخصي.
إن تأثير الإفلات من العقاب والقضاء المسيس على الأمن البشري للأجيال القادمة يهدد بارتكاب جرائم مماثلة باستخدام غطاء القضاء المسيس، مما يجرد التآلف الوطني، حيث تغيب العدالة المدنية، وحيث يهيمن الاستياء إلى حد كبير.
تقع على عاتق الحكومة اللبنانية مسؤولية حماية مواطنيها من انعدام الأمن الاقتصادي والغذائي والصحي والبيئي والشخصي، أي من انتهاكات حقوق الإنسان، وأخيرا من انعدام الأمن السياسي الناجم عن قمع الدولة وانتهاكات حقوق الإنسان. ونتيجة لذلك، فإن السلطات الحالية والسابقة هي المسؤولة في المقام الأول عن الكارثة التي كان من الممكن تجنبها.
وقد مهد التحقيق المتوقف، وربما لا يزال يمهد الطريق، للمتهمين لدفن الأدلة، أو تدميرها، أو طمسها، أو إخفائها، ومحوها من مسرح الجريمة. على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تحمل مسؤولياتها في ضمان إجراء تحقيق عادل ومستقل ونزيه، وأن تسهل الأجهزة الأمنية إقامة العدل بدلا من تحدي الطلبات الواردة من قضاة التحقيق.
إن حكم محكمة العدل العليا في لندن ضد شركة سافارو المحدودة، كونها أول محكمة تحكم لصالح أسر الضحايا منذ ثلاث سنوات، قد أرسى سابقة من شأنها أن تساعد في تقدم التحقيق وتوفير العدالة والتعويض لأسر الضحايا.
3. عرقلة التحقيق في انفجار بيروت
منذ بداية التحقيق، عرقلت إجراءات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية التحقيق وقضاته مما حال دون توفير العدالة النزيهة، وعدم استئناف عملهم. تم رفع أكثر من 40 دعوى قضائية ضد قاضي التحقيق الحالي القاضي بيطار، لتحد من صلاحيته ومن دون البت في الدليل المقدم في الادعاءات التي استهدفته.
4. ما الذي يجب القيام به؟
يجب سن وتعديل عدد كبير من القوانين والسياسات لإنهاء الحصانة وتحقيق العدالة في لبنان.
- ضمان الحق في الحياة لكل مقيم في لبنان وتجنب المآسي التي يمكن الوقاية منها في المستقبل من خلال تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقع عليه لبنان.
- رفع الحصانة البرلمانية للسماح بالملاحقة القانونية.
- تعديل المادة 751 من قانون الإجراءات المدنية في البلاد، والمادة 52 من قانون الإجراءات الجنائية للوفاء بالمعايير الدولية للحرص على عدم تعليق التحقيقات إلى أجل غير مسمى عندما يرفع المدعى عليه دعوى قضائية ضد قاضي التحقيق.
- إقرار مشروع قانون لاستقلال القضاء يفي بالمعايير الدولية في أقرب وقت ممكن، هذا من شأنه أن يساعد المجلس الأعلى للقضاء على لعب دور حاسم في اصدار القرارات النهائية لقاضي التحقيق. لا يجوز للمجلس الأعلى للقضاء توجيه اتهامات للمتهمين الذين يتهمهم قاضي التحقيق عندما ينهي القاضي تحقيقاته ويحيل المتهمين إلى المحكمة العليا. ولذلك، فإن استقلال القضاء ضروري لتحقيق العدالة، مع الأخذ في الاعتبار أن المجلس الأعلى للقضاء الحالي يتعرض لضغوط سياسية شديدة وأن قراراته غير قابلة للاستئناف.
- نحث مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على إصدار قرار لإنشاء بعثة مستقلة لتقصي الحقائق في انفجار بيروت.
- ضمان الحق في محاكمة سريعة وإجراءات التقاضي السليمة. لا يمكن احتجاز المشتبه بهم في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى لأن ذلك ينتهك حقوقهم في إجراءات التقاضي السليمة ويدخل ضمن التوقيف التعسفي.
- ينبغي وضع حد لممارسات التخويف والعرقلة.
التحقيق المستقل يعني قضاء مستقلا يعمل فيه قضاة مستقلون دون خوف وضغوط سياسية وتدخلات تحد عملهم.
لا يجب التنازل على الإطلاق عن مواصلة التحقيق في انفجار بيروت، كما لا ينبغي ان يقيد أي اتفاق او صفقة التحقيق. في اغلب الاحيان يكون الإفلات من العقاب هو السبب الرئيسي لعدم تطبيق سيادة القانون، ومن ثم فإن وجود نظام راسخ للحكم والمساءلة، يدعمه إنفاذ سيادة القانون، أمر طال انتظاره وضروري.
المجتمع الدولي مسؤول عن الوقاية والحماية وإعادة البناء عندما تكون الحكومات الوطنية غير راغبة أو غير قادرة على حماية مواطنيها، بموجب مبدأ الحق في الحماية. نطلب من المجتمع الدولي المساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية وحماية الأدلة والضغط على السلطات اللبنانية لإصدار قوانين تجعل القضاء مستقلا عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وأخيرا، نذكر أن إزالة الأدلة والإفلات من العقاب والمماطلة أدوات لا يمكنها محو ذاكرة وآلام العائلات التي عانت من انفجار بيروت.