مرصد مهارات للشفافية المالية نشرة دورية للصحافيين/ات - تشرين الثّاني 2024
لا يمكن فصل الفساد عن تراكمات الأزمة المالية والاقتصادية اللبنانية. فالفساد مرض خطير يعتري مؤسسات وادارات الدولة وجعل أكثريتها على مدى عشرات الأعوام دوائر للزبائنية السياسية أو الرشوة وهو ما أصاب الشرائح الأكبر من المواطنين بضعف الخدمات وجعل مجموعة كبيرة من الموظفين تحقق الاثراء غير المشروع. القضاء اللبناني يعتريه خطر التدخل السياسي وعدم استقلاليته ما يجعل نظام سيادة القانون ونظام العدالة ضعيفين وهو ما يعزز ثقافة الافلات من العقاب والفساد ولا بل التشجيع عليه وانتشاره. فكلما ضعف نظام العدالة واستقلالية المؤسسات المعنية بانفاذ القانون كلما ساد الفساد وانتشر. ما تقدم هو تفسير بسيط لواقع لبنان في اليوم العالمي لمكافحة الفساد والذي جعل هذا البلد عام 2023 يحتل مرتبة سيئة على مستوى مؤشرات مدركات الفساد اذ احتل المرتبة 149 من أصل 180 دولة.
هذه الحقائق قائمة رغم اقرار قوانين اصلاحية كان من المفترض أن ترفع ايجابا من مرتبة لبنان على مستوى تصنيفات الفساد انطلاقا من أن الشفافية التي تهدف اليها تلك القوانين تشكل عدوا أكبر للفساد الذي ينمو في الظل والخفاء، وكلما رفعته الشفافية الى الضوء أمكن محاربته. لكن القوانين الاصلاحية لم تؤت بأهدافها المرسومة في شكل كبير حتى الآن. فقانون الحق بالوصول الى المعلومات تعتريه الكثير من النواقص في الالتزام والتطبيق من خلال امتناع عدد كبير من الادارات والمؤسسات والبلديات عن النشر الحكمي للمعلومات والصفقات والقرارات لأسباب مختلفة. القانون الذي لم ينتشر كثقافة في شكل كبير بين المواطنين والناشطين والصحافيين تعتريه أيضا عوائق كبطء تلبية طلبات الحق بالوصول الى المعلومات أو حتى عدم الاستجابة رغم أن قرارات مجلس شورى الدولة جاءت لتكرس هذا الحق وتلزم الوزارات والادارات بتنفيذ طلباته والافصاح عن المعلومات المطلوبة. الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي تشكل المرجع القانوني الأول للبت بالشكاوى الناشئة عن رفض طلبات الحصول على المعلومات بقيت مجرد هيكل فارغ من القدرة على لعب دورها لسنوات وقبل فترة بدأت بالقيام بهذا الدور واصدار قراراتها. قانون حماية كاشفي الفساد الذين تشكل الهيئة ملجأهم لم يشهد استخداما عمليا من قبل موظفين أو مواطنين أو غيرهم. أما قانون الشراء العام فيحتاج الى تطبيق عدد من المواد والاصلاحات التي لم تطبق حتى الآن من أجل تدعيم محاربة الفساد أهمها تشكيل هيئة الاعتراضات واستكمال تشكيل هيئة الشراء العام ورفدها بالموارد والأنظمة والبدء بتطبيق الشراء الالكتروني واولى خطواته انشاء المنصة الالكترونية المركزية تحضيرا لتطبيق الشراء الالكتروني كاملا.
هذه التطبيقات الناقصة في القوانين الاصلاحية والمسار السلبي على مستوى الفساد المتغلغل في مفاصل رئيسة ادارية وقضائية وسياسية وضعف الشفافية يضاف اليها ضعف الهيئات الرقابية رغم محاولات جدية وجريئة خصوصا من ديوان المحاسبة، تتلاقى مع مرتبة لبنان في ضعف الشفافية المالية والتي تترجم بالمرتبة ال17 على 100 على مستوى شفافية الموازنة وصفر على مئة في اشراك المجتمع المدني في دورة الموازنة و26 على 100 في مجال فعالية الرقابة المالية وذلك عن عامي 2022 و2023.
هذه المؤشرات والتطبيقات الناقصة للقوانين الاصلاحية ومراتب لبنان المتدنية على مستوى مكافحة الفساد والشفافية والشفافية المالية وأسبابها يجب أن تشكل موادا للصحافيين من أجل الاضاءة عليها واعداد تحقيقات وتقارير حولها وتشكيل عامل ضغط حقيقي ومؤثر للدفع نحو جعل لبنان يتقدم في مستويات الشفافية خصوصا أن المساعدات والهبات والشراء العام خلال الحرب يجب أن تشكل أولوية لتكريس الدور الاعلامي الرقابي ومحاربة الفساد.
فرضت الحرب على لبنان أرقاما وخلاصات ونتائج مختلفة عن فترات الرصد ما قبل 23 أيلول أي ما قبل توسع الحرب. هذه الأرقام تبرز في النتائج التي توصل اليها فريق رصد مهارات لقضايا الشفافية المالية خلال الفترة الممتدة من 23 تشرين الأول وحتى 24 تشرين الثاني. ففي محاور الشفافية الأكثر تداولا تصدرت المالية العامة للدولة والادارة المالية لعمليات مواجهة الكوارث والأزمات.
والى جانب اللائحة الرمادية في المواضيع المرصودة المرتبطة بالشفافية تقدمت قضية استرداد الموازنة وخسائر الحرب والهبات.
أما من ناحية أبرز الفاعلين في القضايا المرصودة المتعلقة بالشفافية، تصدر السياسيون هذه اللائحة، كذلك برز ظهور خبراء، وزارات ومؤسسات عامة خصوصا لأدوارهم في ادارة ومعالجة التداعيات التي رتبتها الحرب.
هذه النتائج لا تشكل مفاجأة فالفترة المرصودة شهدت ذروة وصول المساعدات للبنان وتسلط الضوء على ادارة مواجهة تداعيات الحرب وخسائرها والهبات التي وصلت الى لبنان. كما أن الحرب ونتائجها غيرت من الوقائع المالية التي كانت سائدة قبل 23 أيلول والتي عكسها مشروع الموازنة وهو ما دفع الى طرح مسألة استرداد الحكومة للمشروع من أجل جعل أرقامه والتوقعات واقعية على مستوى الايرادات وتضمين النفقات الضرورات الناشئة عن الحرب . (الاطلاع على مرصد الشفافية المالية لشهر تشرين الأول)
إثر الحرب الاسرائيلية على لبنان التي بدأت في 23 أيلول 2024 ونزوح أكثر من مليون و200 ألف لبناني من المناطق غير الآمنة، بدأت دول عدة ارسال المساعدات الدولية العينيّة والمالية ، لذا وضعت هيئة الطوارئ الحكومية آلية عمل لتوزيع المساعدات العينيّة تهدف إلى تعزيز مبادئ الشفافية والإدارة الرشيدة.
اليوم ومع إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، لا بد من السؤال عن الآلية التي تم اعتمادها لضمان توزيع شفّاف وعادل للمساعدات وإلى أي مدى تمّ تطبيقها، بالإضافة إلى السؤال حول آلية الرقابة اللاحقة التي ستعتمد من الجهات الرقابية على كيفية صرف المساعدات وعلى عمليات "شراء الطوارئ" التي تمّت خلال الحرب.