استدامة منظمات المجتمع المدني في لبنان: عناء التمويل وتطوّر التنظيم
للاطلاع على الدليل باللغة الانكليزية
للاطلاع على الدليل باللغة العربية
8311 منظمة مجتمع مدني في لبنان هو الرقم المسجل بحسب وزارة الداخلية والبلديات مع نھاية 2015 .
أثبت هذا القطاع في عامي 2014 و2015 مرونته واستدامته بشكل متزايد على الرغم من البيئة غير المستقرة والعديد من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية حيث طغى الشعور بانعدام الامن بسبب الاحداث في سوريا وتفجير 2015 في بيروت الذي أعلن تنظيم الدولة الاسلامية مسؤوليته عنه اضافة الى مستويات الفقر المتزايدة والبطالة وأزمة اللاجئين التي أحدثت تحديًا إضافيًا للبنية التحتية للدولة ودفع الكثير من منظمات المجتمع المدني إلى تغيير عملھا لمعالجة القضايا الإنسانية وقضايا اللاجئين.
هذه الاستدامة تحدث عنها باسهاب تقرير "استدامة منظمات المجتمع المدني لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" لعامي 2014 و2015 الصادر عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والذي بيّن باصداره الرابع قوة قطاع منظمات المجتمع المدني وقابلتيھا العامة للحياة في مصر والعراق والأردن ولبنان والمغرب واليمن والضفة الغربية وقطاع غزة.
أعدّت مؤسسة "مهارات" الجزء المتعلق بلبنان عبر الاستماع الى مجموعة خبراء ملمين بعمل المجتمع المدني في لبنان وتوزّعت قراءة التقرير على أكثر من صعيد.
بقيت البيئة القانونية لمنظمات المجتمع المدني بدون تغيير ملحوظ، إذ لا تزال هذه المنظمات تعمل بحسب قانون العھد العثماني الخاص بالجمعيات الذي يوفر مع الدستور حماية واسعة لحرية تكوين الجمعيات.
لكن تعاني المنظمات وفق منشورين صادرين عن وزارة الداخلية في 2006، من البطء في التسجيل إذ لا تخضع مراجعة الطلبات من قبل الوزارت المختصة ومديرية الأمن إلى قيد زمني. والأمثلة كثيرة في هذا الخصوص منها: مركز الإنترنت اللبناني، المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، وتلك العاملة لمناهضة التمييز ضد المثليين.
من ناحية ثانية، تحسّنت القدرة التنظيمية لدى منظمات المجتمع المدني بين عاميّ 2014 و 2015مع حدوث زيادة كبيرة في التمويل الأجنبي استجابة للأزمة السورية والعدد المتزايد من اللاجئين السوريين، مما دفع بعض المنظمات إلى تغيير في أهدافها الأصليّة ونطاق عملها. وأكّد التقرير أن هذه المنظمات تعتمد بكثافة على المانحين الدوليين في التمويل وغالبًا ما تتحرك في ضوء أجندات مانحيھا، بدلًا من تشكيل خططھا الاستراتيجية طويلة الأمد والالتزام بھا، كما تعمد إلى تكييف عملھا طبقًا لأوليات المانحين والظروف المتغيرة مثل أزمة اللاجئين. بحسب مؤسسة "بيوند – Beyond Reform & Development"، إن غالبية المنظمات لديھا ھياكل إدارية واضحة، 61 في المئة منها لديه مجالس إدارات و 45% لديه جمعيات عمومية، في حين أن 17 % فقط منها لديه سياسات حوكمة داخلية رسمية. وبناء عليه فإن المشاريع التي تستلمها هذه المنظمات هي قصيرة الأمد ما يدفعها إلى التوظيف وفقاً لمدة المشروع ما يمنعها من الاحتفاظ بموظفين دائمين حرفيّين ومؤهّلين.
في ما يتعلّق بالسلامة الماليّة، واصلت منظمات المجتمع المدني في لبنان كفاحھا مع التمويل والاستدامة المالية بوجود القليل من قنوات الدعم الموثوقة من القطاعين العام والخاص. وتعتمد المنظمات على المانحين الدوليين بصفتھم المصدر الرئيسي للتمويل، قلة من تلك المنظمات تشترك في أنشطة مدرة للدخل ونادرًا ما تجد شراكات بينها وبين القطاع الخاص. هذا العجز في التمويل وانعدام الأمن المالي إضافة إلى سياسات مالية غير واضحة، جعل من الصعب الإبقاء على موظفين دائمين مؤھلين.قدّر التقرير أن العمل التطوعي انخفض في عام 2014 نظرًا للوضع الاقتصادي في المقابل زاد عدد المتطوعين في 2015 مع ظھور حركة مدنية واسعة للمطالبة بحلّ أزمة النفايات وعلى رأسها حملة "طلعت ريحتكم".
أما لناحية مناصرة منظمات المجتمع المدني، فإنه لا تغيّر ملموس في عاميّ 2014 و 2015 وھذا يرجع بشكل كبير إلى ركود المواقف العامة والافتقار إلى الإجراء التشريعي. لكن العمل المدني قد زاد واستطاع حشد الناس، خصوصاً حملة "طلعت ريحتكم" التي ظھرت في صيف عام 2015 لتناول إدارة النفايات الصلبة، وكانت ھذه المرة الأولى منذ 2005 التي شھد فيھا لبنان مثل ھذه المظاھرات الكبيرة.
إن بعض المنظمات الفردية حققت نجاحات في المناصرة، على سبيل المثال في عام 2014 ساعدت المناصرة التي قامت بھا منظمتا "كفى" و"أبعاد" في إقرار قانون لحماية المرأة وأفراد الأسرة ضد العنف المنزلي. تماماً مثل حملة "سكر الدكانة" وحملة حماية دالية الروشة.
هذا وتعترف الحكومة والسلطات المحلية بالدور المھم الذي تضطلع به منظمات المجتمع المدني في تقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية، فعلى المستوى المحلي، يعزز المانحون الدوليون من التعاون بين منظمات المجتمع المدني والسلطات المحلية عن طريق طلب إشراك منظمات المجتمع المدني في المجالس البلدية وغيرھا من السلطات المحلية، كشرط لتقديم التمويل. ومع ذلك، فإن ھذه العلاقة التعاونية لا تزال تقتصر على مشاريع أكثر منھا على تحالفات استراتيجية طويلة الأمد.
كما أبدت منظمات المجتمع المدني بين عامي 2014 و2015 وعيًا أرقى بالحاجة للعمل في ائتلافات واستخدام المنھج التشاركي للمشاركة مع القطاع الخاص، والحكومة، والإعلام. وأفادت البنية التحتية لمنظمات المجتمع المدني أيضًا من استثمار دول أخرى استجابة للأزمة السورية. وتمتلك منظمات المجتمع المدني الوصول إلى التدريب والدعم الفني من منظمات الدعم الوسيط ومراكز موارد منظمات المجتمع المدني. ولكونھا تقع بشكل أساسي في بيروت، فإن كيانات الدعم ھذه تقدم التدريب حول الإدارة المالية، والتطوير التنظيمي، وبناء القدرات، وغيرھا من المجالات. وركّزت الدورات التدريبية أخيراً، على قضايا مثل بناء القدرة التنظيمية، والإدارة المالية، والمناصرة، ومھارات الإعلام الاجتماعي.
استطاعت منظمات المجتمع المدني في عامي 2014 و2015 تعزيز الصورة العامة الخاصة بها، وتمتعت بحضور واسع في الإعلام، مستفيدة من الإعلام الاجتماعي والحضور الرقمي المتزايد. غطّى الإعلام بشكل واسع مظاھرات "طلعت ريحتكم"، على سبيل المثال، وكذلك جھود منظمات المجتمع المدني للضعط على البرلمانيين لإقرار قانون جديد للعنف الأسري. اكتسبت منظمات المجتمع المدني الثقة كمصدر موثوق للمعلومات، على الرغم من أن الرأي العام يتفاوت مع منظمات راسخة مثل الصليب الأحمر الدولي الذي يتمتع بصدقية أكبر. من الجيّد أن صنّاع القرار يرون منظمات المجتمع المدني كمصدر مجتمعي، وخاصة فيما يتعلق بتقديم الخدمات استجابة للأزمة السورية. هذا لا ينفي أن الكثير من هذه المنظمات يفتقر إلى الخبرة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الإعلام، ووضع استراتيجيات إعلامية والاندماج مع المراسلين والصحافيين.