"المواطن – المراسل" يقصي المراسلين الصحافيين في عكار؟
في خضم الأزمات الكبيرة لا يُعار الفرد اهتماماً. هو حال الإعلام اللبناني في أزمته الراهنة وبحثه عن التمويل والمشاهدين حيث لم يعد من مجال للتطرق إلى هموم العاملين في الصحافة وتداعيات الأزمات الحاليّة عليهم. فالحديث إلى المراسلين الصحافيين المنتشرين في المناطق الأطراف يبيّن مدى تأثير التطور التكنولوجي عليهم، إذ لهم رأيهم في ما يخصّ مفهوم "المواطن-المراسل" الذي ينشر الأخبار من خلال صفحاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
في عكار مثلاً، مراسلون يواجهون يومياً تحديات كبيرة ولهم رؤيتهم الخاصة لما يؤول إليه الوضع الإعلامي ككلّ كما يبرهنون عن قدرتهم على القيام بمبادرات مناطقية فرديّة. كريم شديد، ناشط في صفحة "عكار نيوز" الإخبارية، واحد منهم ويرى "أن وسائل التواصل الاجتماعي بات لها دور كبيرفي تكوين رأي عام بما لا يمكن ضبطه او تنظيمه فيما للإعلام رسالة إنسانية يُفترض ان يؤديها"، ويلفت الى "ان صفحة عكار الإخبارية تعنى بالبيئة بشكل أساسي ولها اكثر من 50 الف متابع، نسعى الى تطويرها لترويج السياحة البيئية في عكار ولبنان عامة لنعكس الصورة الحقيقية لطبيعة منطقتنا وبلدنا".
"بناء السلام" في عكار
كلام شديد وسواه من الصحافيين في عكار جاء خلال لقاء بعنوان "نحو اعلام مسؤول يساهم في تعزيز السلم الاهلي في لبنان"، في مكتبة المدرسة الوطنية الارثوذكسية في الشيخ طابا- عكار، نظّمته مؤسسة "مهارات" بالتعاون مع مشروع "بناء السلام في لبنان" التابع لبرنامج الامم المتحدة الانمائي، بتمويل من وزارة التنمية الدولية "UKDFID"، وذلك في اطار عملهما على دعم فرص تعزيز بناء السلام في لبنان. حضر اللقاء النائب نضال طعمة مدير المدرسة، وصحافيّون محلّيون ومراسلون ومدوّنون وممثّلون عن وسائل التواصل الاجتماعي في محافظة عكار وذلك من ضمن سلسلة لقاءات ينظمها المشروع في المناطق.
في بداية اللقاء قدمت كل من مؤسسة "مهارات" ومشروع "بناء السلام في لبنان" عرضاً مختصراً عن محتوى "ميثاق الشرف الاعلامي لتعزيز السلم الاهلي" الذي طوّره ووقّعه مسؤولو وسائل الاعلام اللبنانية، والذي أطلقه برنامج الأمم المتحدة الانمائي عام 2013. إضافة إلى خلاصات وتوصيات انبثقت عن 7 دراسات رصد كانت "مهارات" بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد أصدرتها.
تغطية القضايا المحليّة
ثم نوقشت التحدّيات التي تواجه الصحافيين في تغطياتهم للقضايا المحلية في عكار والصعوبات، ومدى تأثير التطور التكنولوجي في عملهم كون المواطنين أصبحوا بدورهم مراسلين، مما رتّب تداعيات بعضها سلبية لجهة عدم الالتزام بمعايير المهنية والاخلاقيات الاعلامية.
تتعدّد أسباب تراجع المهنية الاعلامية اليوم بحسب الصحافي ميشال حلاق، يقول "أبرزها تراجع الاعلاميين المهنيين العاملين في الوسط الاعلامي وانتشار ظاهرة السبق الصحافي على حساب الصدقية والدقة والاخلاقيات المهنية، اضافة الى تغلغل الفساد في مجال الاعلام كباقي المجالات، وبروز مواقع التواصل الاجتماعي التي غيّرت مفهوم الاعلام".
أما المراسل خضر سعيد من محطة OTV، فيعتبر "أن العمل الإعلامي في لبنان أصبح عملاً تجارياً، والخبر في القنوات جميعها مدفوع أو متودّد للسياسين والنافذين. يجب اعتماد المهنية والحرفية والنوعية والتجدد في صناعة وكتابة الخبر. ولعل سبب كل ما نراه يعود الى العجز المادي الذي تعاني منه اكثرية وسائل الاعلام في لبنان".
للصحافية جنى دهيبي، جريدة "المدن" الإلكترونية، تجربتها إذ تقول "ثمة فوضى في مواقع التواصل والمنابر فيها مفتوحة من دون انتظام. أي شخص من وراء شاشته الصغيرة ينصّب نفسه إعلامياً. ما أنتج خللاً في صدقيّة الاخبار وأسلوب تناولها. لا معيار لحقوق النشر، "القص واللصق" بات أسلوباً لبناء الخبر".
"في الواقع إن وسائل الاعلام اليوم أصبحت وسائل اعلان"، هكذا يراها الصحافي في "اذاعة السلام" جورج رزق، شارحاً "أن الكلفة الانتاجية لوسائل الاعلام هي أكثر بكثير من المردود الذي تجنيه، وتالياً فمن يدفع المال هو الذي يتحكّم بمضمون الرسالة وهنا مكمن الخطورة الحقيقية حيث يضحي المتلقي فريسة صراع بين فكرة وأخرى". وتابع "هنا يبرز دور وزارة الاعلام كمرجع مؤهّل لتقديم النموذج المختلف، والمطلوب منصّة اعلامية حقيقيّة تقدّم الفكر وفق معايير محدّدة وواضحة تخدم الانسان وحرية التعبير".
أهميّة اللقاء لدى المراسلين
يدعو الصحافي في صفحة "اخبار عكار" حامد زكريا الى مزيد من المسؤولية في النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي "إذ تعاني نوعا من الفوضى وتستدعي التحلي بالمسؤولية، الأمر الذي يعزز مقومات السلم والأمن والعيش المشترك في لبنان".
في حين لفت الصحافي عامر الشعار الى "أن هذه الاجتماعات مهمة من أجل تعزيز العمل الصحافي بشكل مهني خصوصاً في نقل الخبر والصورة الحقيقيّة"، واعتبر "أن دور الصحافي يتخطى كتابة التحقيق او الخبر، وبإمكانه ان يساهم في قضايا توعوية واجتماعية وسياسية بالتعاون مع محيطه ومع هيئات المجتمع المدن"ي. واضاف "ان طفرة التواصل الاجتماعي والتقنية الجديدة يجب استيعابها والتعاطي معها بأخلاق وشفافية، لانه في الوقت الحالي بات كل صاحب هاتف ذكي هو صحافي مفترض".
يؤكد الصحافي في جريدة "عرقه" ابراهيم فرح "أن التحديات التي تواجه الصحافيين تتلخص في الازدواجية وعدم القدرة على الالتزام بالشرف المهني وعدم الانحياز مثل التعاطي الاعلامي المتحيّز مع قضايا اللاجئين السوريين".
بينما رأت الصحافية في الوكالة الوطنية بديعة منصور "أننا في زمن فقد فيه الاعلام صفة السلطة الرابعة التي كان من خلالها يمارس دوره الحقيقي في الرقابة وبناء السلم الاهلي، اذ اصبح لكل تيار سياسي أو مرجعية سياسيّة اعلامهما الخاص".
خلاصة عامّة
مهما اختلفت الآراء حول وضع الإعلام، فالأكيد أنه لا يمكن الاستعاضة عن الصحافيين المهنيين والمدربين وأصحاب الخبرات بمن يجلسون خلف الهواتف الذكية فقط ويفقهون أصول النشر. خصوصاً أن العمل الصحافي المهني يتطلّب التقصي والتأكّد من المعلومة من أكثر من مصدر ومقاطعة المصادر، ثم مقارنة الحدث وأهميّته مع حوادث سابقة وهو ما لا يمكن للهواة القيام به، كما لا يمكن مستخدمي مواقع التواصل الخروج بخلاصة لظاهرة معيّنة في منطقة ما، ولا يمتلكون القدرة على ملاحقة المصادر والبحث عن الحقيقة المجرّدة من أي نزعة مناطقية أو عاطفية أو سواها.
إلى كل ما تقدّم، إن المعنيين وفي مقدّمهم النقابات والوزارت ومالكي وسائل الإعلام مطالبون بإيلاء صحافيي المناطق أهميّة خاصة والاستماع إلى آرائهم وعدم شملهم بأي تقشّف لجأت أو تلجأ إليه الوسائل الإعلامية، لأنهم – أي مراسلو المناطق – المخوّلون الأصيلون في الحديث عن واقع مناطقهم بصدقية ودقّة بما يخدم استمرارية وسائل الإعلام ولو بالحدّ الأدنى من المهنيّة.