10 أيار 2014
"مهارات" من جامعة البلمند: لإلغاء نظام الرقابة وإنشاء نظام جديد لتصنيف الأفلام
اطلقت دائرة الاعلام وتقنيات الاتصال في كلية الاداب والعلوم الانسانية في جامعة البلمند مؤتمر "الحرية الاعلامية بين الواقع والمرتجى" يومي 9 و10 ايار 2014 وخصصت من ضمن جدول اعمال نهار السبت في 10 ايار خمسة محاور اساسية للنقاش وهي: دور الامن العام في مجال الرقابة الاعلامية، إصلاحات اقتراح قانون الاعلام، دور مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية، ظروف العمل الصحافي، أخلاقيات العمل الاعلامي.
وشاركت مؤسسة "مهارات" ممثلة بالمحامي طوني مخايل في محور الرقابة المسبقة الى جانب رئيس مكتب شؤون الاعلام في المديرية العامة للأمن العام العميد منير عقيقي والمنتجة جنان داغر، وادار الحوار القاضي اميل عازار استاذ مادة قوانين الاعلام وأخلاقياته في جامعة البلمند.
الامن العام نحن تحت سقف القانون
استهل العميد عقيقي مداخلته بالقول "ينتقدون دور الامن العام في مجال الرقابة وهم يجهلون النصوص القانونية التي ترعى عمل الامن العام". معتبرا ان الامن العام يمارس الرقابة المسبقة إستنادا الى نصوص قانونية سارية المفعول وموجودة في منظومتنا التشريعية. وتوجه الى النائب غسان مخيبر الذي كان من بين المشاركين قائلاً "عدلوا النصوص القانونية ونحن تحت سقف القانون".
وأجرى النائب مخيبر مداخلة قصيرة في موضوع قوانين الرقابة، قائلا "ان هناك نصوص تمنح الامن العام صلاحيات واضحة كمراقبة المناشير ولا يستعملها وهذا امر جيد، وهناك نصوص لا تمنح الامن العام صلاحيات مباشرة وواضحة ويمارسها مثل الرقابة على المطبوعات الاجنبية والاشرطة المدمجة والمسلسلات التلفزيونية وهذا امر سيئ".
الجدوى من الرقابة
إستعرض العميد عقيقي لمحة عن الامن العام اللبناني ومهامه بشكل عام. وعدد المواد الاعلامية او الانتاجات الفنية التي يتطلب عرضها إجازة مسبقة وهي: الاشرطة السينمائية المعدة للعرض، المسلسلات والاعلانات التلفزيونية، الاعلانات الطرقية، اشرطة الاقراص المدمجة المصدرة الى الخارج او الواردة من الخارج، المسرحيات والمطبوعات المصدرة الى الخارج والمطبوعات الواردة من الخارج.
اقرّ العميد عقيقي ان اكثر من 99% من الانتاج الاعلامي الذي يصل الى اللبنانيين هو غير مراقب. وهنا طرح المحامي طوني مخايل الجدوى من رقابة الامن العام التي لا تشمل الا جزءا بسيطاً من المواد الاعلامية التي تبث وتنشر ويتم تداولها على الاراضي اللبنانية، وقال ان الصحف والمواقع الألكترونية والبرامج التلفزيونية والاذاعية والاخبار وبرامج الحوار السياسي التي تروج لخطاب الكراهية والبث الفضائي على انواعه لا تخضع لسلطة الامن العام الرقابية، وبالتالي ما هي الجدوى من ممارسة الرقابة على الاعمال الفنية والابداعية، مثل الافلام والمسرحيات وحذف بعد العبارات او بعض المشاهد لإعتبارات دينية او سياسية او اخلاقية او مرتبطة بالأمن القومي وعلاقة لبنان بالخارج، في ظل الاجواء المفتوحة وشبكة التواصل عبر الانترنت التي تمكن أي شخص من مشاهدة اي مادة اعلامية ساعة يشاء. "وكلنا يعرف ان الانترنت هي وسيلة الانتشار الاكبر للمواد الاعلامية بخلاف جمهور المسرح والسينما الذي لا يقارن بمستخدمي وسائل التواصل ومشاهدي التلفزيون والفضائيات. عدا عن ان متذوقي الفن السينمائي وخصوصا المسرحي لديهم من النضوج الفكري والنفسي الذي يجعل من الرقابة على هذه الاعمال عملا لا يليق بمجتمعنا".
الرقابة في اطار حماية الطفل والمرأة
طرح العميد عقيقي إشكالية الرقابة في اطارها العام، واعتبر ان "جهاز الامن العام هو جزء من المجتمع بمختلف مكوناته العامة والخاصة، يساهم الى جانب المجتمع المدني بالحد الادنى في التخفيف من آثار التعرض لحقوق الانسان والطفل والمرأة وفي منع التسويق الاعلامي للحالات الشاذة والترويج للعنف والاجرام والمخدرات والاثارة الجنسية ويسهر على حسن تنفيذ القوانين مثل القانون الذي يحظر الدعوة الى التدخين او قانون منع الترويج للأدوية المستخرجة من الاعشاب وهو بذلك يكون يساهم في تطبيق القانون وحماية حقوق الناس". واقرّ العميد عقيقي ان الامن العام يتشاور مع العديد من الاختصاصيين ومؤسسات المجتمع المدني بخصوص مواد الاعلامية او الاعلانية التي يعتبرها تمس بحقوق بعد الفئات في المجتمع.
رؤية جديدة للتنظيم
اشار المحامي مخايل الى ان غالبية النصوص المرتبطة بالرقابة هي غير واضحة وتتضمن عبارات مطاطاة تخضع للتأويل ولإستخدامها وفقا للمصالح الآنية والضيقة. وشدد على وجوب تطويرها والعمل على ايجاد آلايات حديثة تلاحق التطور الحاصل في قضايا الانتاج وصناعة الاعلام وتطور الاعلام الالكتروني ومفهوم تداول المعلومات بشكل عام.
وشدد على وجوب اعادة النظر في تشكيل لجنة الرقابة على الافلام المنصوص عنها في قانون الرقابة على الاشرطة السينمائية للعام 1947، لا سيما لناحية الدور والشكل. "وما هو معمول به اليوم يخالف السياق الطبيعي للأمور، فمندوب وزارة الاقتصاد في هذه اللجنة يمثل مكتب مقاطعة إسرائيل ودوره مراقبة المواد التي تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، فيما كان بالأحرى ان يكون مندوب وزارة الاقتصاد من دائرة حماية المستهلك ليبدي رأيه في الإعلانات الخادعة التي تقدم الى المستهلك حلولا سحرية لكل شيء دون اي حسيب او رقيب".
وهنا طرح مخايل اهمية الغاء نظام الرقابة وإنشاء نظام جديد لتصنيف الأفلام بشكل يلائم بين حرية الرأي والتعبير وحرية تداول المعلومات ويؤمن الحماية اللازمة للأطفال والمراهقين من التعرض لأي مواد غير مناسبة، وتتيح نظريا في نفس الوقت، حرية كاملة للمخرجين والكتاب.
الامن نقيض الابداع
إعتبرت المنتجة جنان داغر في مداخلتها ان مسألة الرقابة المسبقة بالنسبة للمبدعين الفنيين "مشكلة عويصة"، وتشكل تقييد لحرية الرأي والتعبير ولحرية الابداع الفني بشكل عام. وسألت "كيف يمكن ان يقدم سيناريو فيلم سينمائي الى الامن العام او اي جهاز آخر ليقرر ما يمكن ان يمر او لا؟" وبالنسبة اليها المشكلة الاولى هي انه في بلد يفترض انه ديمقراطي وبأن الناس يمكن ان تقول رأيها بحرية، يمارس جهاز عسكري وامني الوصاية على اصحاب الرأي "ويقول شو بيقطع وشو ما بيقطع" هذا امر غريب ان يتم التعامل مع الشعب اللبناني كطفل غير قادر ان يقرر او يحكم على الاشياء التي تقدم ان كانت سيئة او جيدة، وتقوم جهة بالتقرير عن الشعب بالنيابة عنه.
وأشارت داغر ان هناك موديلات كثيرة في العالم حول الرقابة "يمكن الاقتداء بها دون تقوم السلطة التدخل في مضمون المواد الاعلامية، فالمخرج اذا اراد ان يظهر تفاصيل مشهد ما، يجب إتاحة المجال له بعرضه ولكن قد يتم تحديد وقت متأخر ليلا لعرضه دون ان نملي عليه ماذا يفعل".
وعرضت لتجربة الشركة المنتجة لفيلم "بيروت اوتيل" للمخرجة دانيال عربيد مع الامن العام، وقالت "ان الامن العام لم ينظر الى العمل الابداعي ككل وانما رفض الترخيص له لتضمنه بعد المشاهد والمعلومات الروائية المتعلقة بقضية مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري".
وأوضع العميد عقيقي هذه المسألة بقوله انه "عندما عرض السيناريو على الامن العام طلب من المعنيين عدم ذكر بوضوح جريمة الرئيس رفيق الحريري كون الفيلم يشير الى جهات مرتبطة بعملية الاغتيال وطالما ان المحكمة حتى اليوم لم تصدر اي حكم بإدانة اي جهة وتحميلها مسؤولية ذلك الاعتداء". وتمنى الامن العام عدم تسمية اسم الجريمة، والابقاء على جريمة خيالية دون تسمية مباشرة لجريمة الرئيس الحريري.
الشفافية في عمل الرقابة
لفت مخايل الى انه يغيب تماماً عن موقع المديرية العامة للأمن العام الألكتروني اي ذكر للمهام والصلاحيات التي يمارسها مكتب شؤون الاعلام في المديرية بخصوص الرقابة المسبقة على المواد الاعلامية التي تدخل ضمن دائرة إختصاصه. يكتفي الموقع بذكر تعريف بسيط عن الرقابة الاعلامية دون تفصيل يذكر. وسأل "لماذا لا تنشر مديرية الامن العام كامل الاعمال الرقابية التي تمارسها والاسباب الموجبة لها بشكل يمكن الجمهور من الحق في الاطلاع والوصول الى المعلومات؟ ولماذا لا تعتمد مصلحة الرقابة في الامن العام اسلوبا اكثر تفاعليا وشفافية مع الجمهور ومنظمات المجتمع المدني على غرار الصفحات الالكترونية التفاعلية التي أنشأتها المديرية العامة للأمن الداخلي؟"
سلطة رجال الدين تقيد جهاز الرقابة
المراجع الدينية المسيحية والاسلامية لها الكلمة الفصل في كل ما يمكن تداوله في المسرح والسينما والتلفزيون والاعلانات، اذا كان من شأنه ان يمس بالمعتقدات الدينية المسيحية والإسلامية او يزدري الاديان ويحقرّ الشعائر الدينية.
وذكر العميد العقيقي ان الامن العام اجاز عرض فيلم تنورة ماكسي، ولكن بعض عرضه اعترض رجال الدين على مشهد اعتبروه يمس بالمقدسات. وقال "ان الاعتراض لم يأتِ فقط من رجال الدين وانما من فئة من المجتمع التي توجهت برسائل قوية لرجال الدين للتدخل لمنع هذا الفيلم."
وهنا شدد مخايل انه لا يمكن للجماعات الدينية الاساسية في البلد والتي تشكل الطوائف الكبرى ان تفرض على المشاهد ما هو مسموح او ما هو ممنوع وحرام ويمس بالمقدسات الخاصة. هذا تكريس للطائفية والمذهبية ويخالف مبدأ عصرنة الدولة والتسامح وحرية تداول المعلومات.
الذاكرة الجماعية والخوف من مواجهة الحقائق
تطرق المحامي مخايل الى موضوع الرقابة التي تحظر مناقشة الذاكرة الجماعية، خصوصا ان لبنان مرّ بسنوات طوال من الحرب الاهلية، وشهد الوجدان العام ابشع صور القتل والذبح والتهجير والهجرة القصرية، وتساءل "الا يحق لنا ان ننقاقش هذا الالم الجماعي ولماذا حلت علينا لعنة الانقسام والبغض والكراهية والرغبة في الغاء الآخر؟" ولفت الى ان الامن العام كان دائما يطلب من المبدعين الفنيين عدم تسمية الامور باسمائها، بحجة عدم تعكير السلام العام وإثارة النعرات والاضرار بالمصلحة العامة.
وشدد مخايل على ان المصلحة العامة تقتضي، المصالحة مع الذات وفتح ملفات مرتبطة بالذاكرة الجماعية: فمن منافع حرية تداول المعلومات، المساهمة في إستقرار المجتمع وتنقية الذاكرة. في حين في لبنان تعتبر تسمية الاشياء بأسمائها وخصوصاً فيما يتعلق بملفات الحرب اللبنانية هو اثارة للنعرات والحساسيات الطائفية والمذهبية.
وفي الختام تمنى المشاركون تضافر الجهود بين مجلس النواب والمجتمع المدني والجهات المعنية على المستويات الفنية والابداعية والقانونية في لبنان لوضع إطار قانوني وتنظيمي جديد للقضايا المتعلقة بالإعلام والاعلان والابداعات الفنية من منطلق تأمين المصلحة العامة وحرية الرأي والتعبير في مجتمع ديمقراطي.