المنتدى اللّبناني لحوكمة الإنترنت بدورته الثّالثة في عام 2021
تحت شعار "التّحوّل الرّقمي لمجتمع أكثر مرونة" نظّمت اللّجنة الاستشاريّة بالتّعاون مع مجتمع حوكمة الإنترنت في لبنان، المنتدى الثّالث لحوكمة الإنترنت. امتدّ على يومَين 23 و24 تشرين الثّاني وضمّ جلسات وورش عمل شارك فيها اختصاصيّون ومسؤولون من كافّة القطاعات العامّة والخاصّة والأكاديميا والمجتمع المدني بهدف مناقشة مواضيع ذات صلة بحوكمة الإنترنت في لبنان كالتّحوّل الرّقمي، الوصول والإدماج الرّقمي، الأمن والثّقة، والحقوق الرّقميّة والحريّات.
حريّة تداول المعلومات أثناء الأزمات" كانت الجلسة الأولى من المنتدى، من تنظيم مؤسّسة مهارات ومنظّمة سمكس. طرحت الجلسة حلولًا وتوصيات لتعزيز التّداول الحرّ للمعلومات عبر الإنترنت، بما يعزّز تطبيق قانون الوصول إلى المعلومات والنّشر الحكمي وحريّة التّعبير على مواقع التّواصل الإجتماعي.
استضافت الجلسة الدكتور علي رمّال، حيث تحدّث عن أهميّة إتاحة المعلومات لتعزيز عمل الإعلام والبحث العلمي، والصّعوبات التي يتعرّض لها الصّحافي لحصوله على المعلومات حيث يُنظر لهُ بعين الشّكّ والرّيبة وعلى أنّه تابع لفريق سياسي معيّن بحسب انتماءات المؤسّسة الإعلاميّة التي يعمل فيها. وتطرّق إلى موضوع اجتزاء المعلومات ونشرها على أنّها حقيقة مطلقة، فالمقصود بحريّة تداول المعلومة وتقديمها للرّأي العام هو مساعدته على تفعيل مشاركته في الحياة العامة ولكي يأخذ قرارات سليمة ومن ثمّ يقوم بالمحاسبة، ولكن عمليّة الاجتزاء هذه، ترتبط بعامل أيدولوجي وعامل مصلحي، وهذا ما يخلق الامتناع عن إعطاء المعلومة.
كما أنّ المحاميّة ليال صقر شاركت في الجلسة وتكلّمت عن المنظومة القانونيّة التي تعيق التّداول الحرّ للمعلومات إن كان لجهة حريّة النّشر أو لجهة حريّة نقد الأشخاص العامين. ففي الدستور والمواثيق الدّوليّة، تُعتبر حريّة التّعبير والوصول إلى المعلومات حقّ مكرّس، ولكن في الممارسة الفعليّة، هناك مجموعة من القوانين والممارسات التي تعيق الوصول إلى المعلومات أو حتّى التّعبير على مواقع التّواصل الإجتماعي جرّاء الملاحقة وقانون العقوبات والقدح والذمّ الذي يُعتبر عائقا أساسيا يحدّ من الحريّات. والمشكلة الأساسيّة، وفق صقر، ان كلّ ما ننشره على الوسائل الإلكترونيّة، إن كان على صفحات خاصّة أو عامّة، اصبح يعتبر وسيلة نشر علنيّة وبالتّالي يتم تطبيق قانون العقوبات والقدح والذمّ والتّحقير والمسّ بالوحدة الوطنيّة أو بالأمن القومي، أيّ لم يعد لدينا مساحة خاصّة على الإنترنت. وأضافت
"إن كنّا نريد الوصول إلى قضيّة كشف فساد، فنحن بحاجة إلى قضاة مستقلّين وقضاء مستقلّ. وهذه الرّكيزة الأساسيّة لبناء دولة القانون، لأنّه عبثا نحاول الوصول إلى المعلومات إن لم يكن هناك قضاء مستقل يؤمن لنا الحماية".
وكان الدكتور علي برّو، من وزارة التّنمية الإداريّة، أيضًا ضيف هذه الجلسة التي أدارتها الصّحافيّة حليمة طبيعة، وتحدثّ عن استراتيجيّة الانتقال الرّقمي وأثرها على تعزيز الوصول إلى المعلومات وتداولها الحرّ على الانترنت. وأدلى بأنّ هناك مشروع يجري العمل عليه للتّحوّل الرّقمي، يُحتَمَل أن يُعرَض على مجلس الوزراء. وتطرّق إلى أنّ قانون حق الوصول إلى المعلومات يتيح لمطلق شخص الوصول إلى المعلومات حتى لو لم يكن لبنانيًّا. وفي حال تمنّع الإدارة عن تسليم المعلومات يمكن اللّجوء إلى خطوات عدّة مثل تقديم شكوى لدى مجلس شورى الدولة. فهناك اجتهادات صدرت عن مجلس شورى الدولة بإعطاء الحقّ للمواطن في الحصول على المعلومات، مضيفًا
"نحن مررنا في فترة انتقاليّة، استنكفت بعض الإدارات عن إعطاء المعلومات للمواطن بحجّة أنّ هناك إبهام، إنّهم بحاجة إلى مرسوم تطبيقي لإعطائه المعلومات".
أمّا الخبير الإعلامي حسان شعبان، فتمحور حديثه حول أهميّة الوصول إلى المعلومات لتنمية قطاع الإعلام ولتعزيز الصّحافة الاستقصائيّة. وقال إنّ من أهمّ العناصر لديمومة استدامة الإعلام هو الحقّ في الوصول إلى المعلومات. وهناك حوالي 70% إلى 80% من الصّحافيّين الاستقصائيّين لا يستطيعون الوصول إلى المعلومات ويواجهون صعوبات عدّة للحصول عليها من الإدارات الرّسميّة، وذلك لأن المؤسّسات والإدارات الحكوميّة تنظر إلى الصّحافي بحسب المؤسّسة الإعلاميّة التي ينتمي إليها وخطّها السّياسي، ولكن هذا ليس مبررًا لأيّ دائرة رسميّة ألّا تقدّم المعلومات، هذا حقّ للمواطن وللصّحافي ولجميع النّاس أن يحصلوا عليها. وتطرّق إلى موضوع الصّحافيّين الاستقصائيّين الذين لجأوا إلى المنصّات الإلكترونيّة وخلقوا مادّة جديدة من الأعمال لربّما يكون لديهم مساحة لنقد جميع الأطراف بمعزل عن الانتماء السّياسي للمؤسّسة التي يعملون فيها. وأشار إلى أنّ ديمومة الإعلام تنقسم إلى قسمَين وهما إنتاج محتوى نوعي والإستدامة الماليّة. وعادةً ما تكون الإستدامة الماليّة من مصادر دخل وتمويل غير سياسيّة والمؤسّسة التي تنتجها، ولكن هذا غير موجود في لبنان. ما يحدث هو أنّ المؤسّسات الإعلاميّة تبدأ باستقلاليّة ولكن تعترضها عقبات في التّمويل فتلجأ إلى التّمويل السّياسي، ما يخفّض من قيمة الإعلام ومن هويّة المحتوى الجيّد واللّائق. ولكي يكون هذان العنصران موجودان، الإعلام بحاجة إلى قوانين مثل ضمان حريّة الصّحافي وحقوقه.
وناقش المتحدّثون في ختام الجلسة موضوع مدى سلامة المعلومات المتوفّرة لدى الإدارات الرّسميّة ومدى صلاحيّتها للاستثمار، وأبدوا التّخّوف من "الفبركة" في المعلومات وتضليل الرّأي العام وغالبًا ما يتعلّق الأمر هُنا بالمعلومات الماليّة مثل المعلومات التي ينشرها مصرف لبنان وأحيانًا تكون لها عناوين محاسبيّة مطّاطة كنشر بندٍ ما أو هندسات ماليّة يُمكن أن يكون لها تفسيرات عدّة ولكن لا نحصل على التّوضيحات الكافية حولها، أو نشر المعلومات المفبركة التي تصعّب العمل على الصّحافيّين. وفي الأصل يجب أن تكون المعلومة الصّادرة عن جهة رسميّة صحيحة لأنّها من نهج الواقع وناتجة عن قرارات إداريّة ولكن إن كانت الثّقة في المؤسّسات الرّسميّة غائبة، والثقة في الصّحافي الوسيط في نقل المعلومة غائبة أيضًا، فيجب أن يكون هناك مؤسّسة وطنيّة تحفظ هذه البيانات وتوزّعها بصيغة سليمة، إضافةً إلى محاسبة أيّ شخصٍ يتلاعب في البيانات.
يُذكر أنّ مهارات ترأس اللّجنة الاستشاريّة لأصحاب المصلحة المتعددة وتساهم في تنظيم المنتدى اللّبناني لحوكمة الإنترنت في كلّ دورةٍ، بالتّعاون مع اوجيرو التي تتولى الامانة العامة للمنتدى بالتعاون مع العديد من الاطراف التي تمثل القطاع العام والخاص والاكاديميا والمجتمع المدني والتقني.
التّوصيات
لصناع القرار:
- تكريس حقّ حريّة التّعبير، بما فيه على مواقع التّواصل الاجتماعي، وحقّ الوصول إلى المعلومات وخصوصًا في الممارسة الفعليّة بما يتلاءم مع الدستور اللبناني والمواثيق الدولية التي تعلو على القوانين مما يوجب تطبيقها، ما يؤمّن الوصول إلى المعلومات ومكافحة الفساد.
- الغاء التجريم في كل ما يتعلق بقضايا حرية التعبير وتداول المعلومات اذ ان التجريم عائق اساسي يحدّ من الحريّات.
- الغاء توقيف أو احتجاز اي ناشط أو صحافي أو صاحب أي وسيلة إعلاميّة بناءً على رأي تم نشره.
- تفعيل قانون حقّ الوصول إلى المعلومات وقانون حماية كاشفي الفساد وضرورة تشكيل هيئة مكافحة الفساد لمراقبة حسن تطبيق القانون واتاحة الفرصة اما الصحافيين وطالبي المعلومات بمراجعتها حين لا تستجيب الادارة لطلباتهم.
- الالتزام بتوفير المعلومات ضمن المهلة المعقولة التي يحددها القانون وبشكل مجاني لكل من يطلبها والعمل على تطبيق النشر الحكمي على مواقع الادارات الالكترونية او ايجاد قاعدة موحدة لنشر البيانات الواجب نشرها حسب قانون الوصول الى المعلومات.
- توفير الحماية للصحافيين وضمان حريتهم وحقوقهم وامنهم ومحاسبة المعتدين عليهم حتى يتمكنوا من القيام بعملهم في كشف الفساد وتعزيز ثقافة المحاسبة.
- العمل على تفعيل دور المؤسسات لاسيما مجلس الوزراء والعمل على تأمين استقلالية القضاء ليتمكن من متابعة قضايا الفساد ومحاسبة الفاعلين اذ ان القضاء المستقل هو الرّكيزة الأساسيّة لبناء دولة القانون، وعبثا يحاول الصحافيون الوصول إلى المعلومات وكشف الفساد إن لم يكن هناك قضاء مستقل يؤمن الحماية والمحاسبة.
للاعلام
- حث وسائل الاعلام على اعلاء شأن المصلحة العامة في تقديم المعلومات وعدم اجتزائها بما يخدم المصالح الخاصة للسياسيين.
- حث المؤسسات الاعلامية على توفير الحماية اللازمة للصحافيين العاملين فيها وضمان حقوقهم وتمكينهم على انتاج محتوى ذات جودة، كما على المؤسسات الاعلامية ان تسعى لايجاد نماذج عمل بديلة عن المال السياسي تؤمن لها الاستقلالية.
- على الصحافيين ان يستخدموا قانون الوصول الى المعلومات ويقوموا بالضغط على الادارات لتطبيقه.
- على الصحافيين ووسائل الاعلام الا يساهموا في التضليل ونشر المعلومات المغلوطة التي يتم تداولها على الانترنت بل عليهم ان يلعبوا دورا في التحقق من المعلومات وفلترتها لاعادة الثقة بالاعلام.
- العمل على تقوية الصحافة الاستقصائية وتعزيز التضامن بين الصحافيين للمطالبة بحقوقهم وللضغط على السلطات لتأمين الحماية اللازمة لهم