IOB Position Paper AR

هيئة الإشراف المستقلة لإطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار في لبنان - ورقة حول استقلالية القضاء

1. المشهد الحالي وجذور الإشكالية

لقد تغاضى القضاء اللبناني عن عقود من الجرائم التي هددت السلام والاستقرار في لبنان، وأحكمت السلطات قبضتها على هذا الجسم القضائي. كان الترهيب والتدخل إحدى الوسائل المختلفة التي استخدمتها السلطات لتعطيل الطريق إلى العدالة.

 

نتيجة تسييس السلطة القضائية هي انعكاس للوضع الراهن. بيئة تحتضن ثقافة العفو والافلات من العقاب لمرتكبي كافة الجرائم، وتطبع عدم الالتزام بسيادة القانون، وتعزز العدالة الانتقائية، وتكمم حرية التعبير عندما تهدد الحقيقة استدامة حكم أولئك الذين يعتقدون أنهم فوق القانون، والأهم من ذلك، تحول المساءلة القضائية ودور القضاء في اقامة العدالة للشعب.

 

بناء على شجاعة ونزاهة القضاة والمشرعين الذين يشكلون جزءا لا يتجزأ من الإصلاح الشامل، تشرح الورقة التغييرات التشريعية والدستورية التي يمكن أن تحمي سيادة القانون من الانتهاك وتحمي حقوق الإنسان من إساءة استخدامها من قبل السلطة التنفيذية أو التشريعية أو أي صاحب مصلحة.

 

في حين أن الدستور اللبناني يمنح الاستقلال الفردي للقضاة، إلا أنه لا يتطرق إلى الاستقلال المؤسسي، الذي لا يزال سببا رئيسيا للفساد القضائي بما في ذلك التدخل السياسي والرشوة واستخدام المناصب العامة لمصلحة شخصية، من بين أمور أخرى.

 

ظهرت علامات تسييس القضاء وعدم استقلاله بعد الحرب الأهلية. والواقع أن عدم وجود سلطة قضائية مستقلة قد ولد بيئة مزدهرة للإفلات من العقاب حيث أصبح الجسم القضائي نفسه هامدا أمام التدخل السياسي والديني، وبالتالي أدت إلى تقلص ثقة الجمهور في المؤسسات العامة وسير العدالة.

 

تعزى الالتواءات في القضاء اللبناني في المقام الأول إلى التدخل المفرط للسلطة التنفيذية في إدارة السلطة القضائية وتعيينها ونقلها وتناوبها وترقيتها وتأديبها. تستخدم السلطة التنفيذية هذه السلطات للتدخل في عملية صنع القرار للقضاة، مما يعرض القضية العادلة لكل مواطن للخطر. وعلاوة على ذلك، فإن اعتماد السلطة القضائية ماليا على وزارة العدل سيظل يشكل تهديدا كبيرا لسيادتها، إذا ما أدرجت تحت إمرة السلطة التنفيذية.

 

مبدأ الفصل بين السلطات حاليا غير قائم في لبنان لعدة أسباب، أهمها التعدي المباشر على تركيبة مجلس القضاء الأعلى من قبل السلطة التنفيذية، وعدم استقلال المجلس ماليا عن موازنة وزارة العدل بما فيها معهد الدروس القضائية وتكوينه،  والتدخلات السياسية والدينية التي عرضت القضاة لضغوط ضد إجراءات ما قبل المحاكمة، وإصدار القرارات والأحكام.

 

2. ضرورة التغيير

وفي هذا السياق، يستتبع استقلال السلطة القضائية إجراء تجديد شامل للإطار القائم الذي يحكم شؤونها؛ التعديلات التشريعية والدستورية إلزامية، وما ينبغي أن يكون حتميا ولا مفر منه هو الإرادة السياسية لإصلاح النظام.

 

أثر غياب القضاء المستقل في لبنان سلبا على عمل المنظمات وتطور المجتمع، لأن الإصلاحات الهيكلية لم تجد مسارها إلى التنفيذ، وبالتالي لا تزال مجزأة. عندما توجد سلطة قضائية محايدة، سيتمكن القضاة من إنفاذ القانون والمعاهدات الدولية التي وقع عليها لبنان، وبالتالي ليس فقط تحسين معايير حقوق الإنسان، ولكن أيضا ممارسة الرقابة على السلطات، ومقاومة التراجع الديمقراطي.

 

عندما تم اختبار الإرادة السياسية تحت ضغط محلي هائل في أعقاب انفجار بيروت، حرفت السلطات الطريق إلى العدالة بشكل علني ولا تزال تفعل ذلك، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الانفجار. إن استخدام المادة 751 من  أصول المحاكمات المدنية، التي تؤجل الإجراءات القانونية إذا رفعت دعوى قضائية ضد القاضي الناظر بالقضية، كان أداة قياسية لسياسة الإفلات من العقاب التي ينفذها المسؤولون، ويجب تطبيق سياسات تصحيحية لوضع حد لثقافة الإفلات من العقاب المتأصلة بعمق في النظام السياسي اللبناني إلى أجل غير مسمى.

 

3. عرقلة استقلال إصلاح القضاء

يجري العمل على مشروع قانون استقلال القضاء منذ عام 2018، وتميز بتأخير عام وتمييع للمبادئ الأساسية التي تحمي استقلال القضاء. ندعو اللجنة البرلمانية للعدل والإدارة إلى مراجعة تعليقات لجنة البندقية بعناية وضمان إغلاق كافة الثغرات التي تمكن من تدخل السلطة التنفيذية بشكل فعال. واليوم، ينبغي قمع الانتهاكات الصارخة لمبادئ الفصل بين السلطات، بدءا من تشريع النصوص التي تتعمد الاحتفاظ بهامش كاف للسلطة التنفيذية للتدخل في شؤون القضاء.

 

وفي حين أبلغت الحكومة اللبنانية عدة مرات بأن قضاءها مسيس، لم تحرز أي تدابير تصحيحية ملموسة أي تقدم.

 

أكدت ورقة خلاصات نشرتها لجنة الحقوقيين الدولية في عام 2017 أن المرسوم رقم 150/83، الذي ينص على تكوين السلطة القضائية، بما في ذلك وظائف المجلس الأعلى للقضاء، لا يفي بالمعايير الدولية، وقد عززه تقرير صادر عن مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين أعرب فيه عن أن تكوين المجلس القضائي الأعلى يؤثر بشكل كبير على استقلال القضاء. وأعربت السيدة ساتيرثويت، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، عن قلقها الشهر الماضي في الإشارة إلى تدخل  مسؤولين في التحقيق في الانفجار، في تنحية قاضي التحقيق، الذي تعرضت حياته للتهديد وهو حاليا تحت حماية الجيش.

 

على البرلمان أن يعمل بجدية على إقرار قانون يفي بالمعايير الدولية، وأن يمتنع صراحة عن سن قانون يلبي إجماع الأحزاب السياسية على حساب المصالح الفضلى للجمهور.

 

4. ما هي الإصلاحات المطلوبة؟

تدعو هيئة الإشراف المستقلة وتؤيد وتوصي بالإجراءات التالية، التي روج لها القضاة ونقابات المحامين ولجنة الحقوقيين الدولية والمجتمع المدني وأصحاب المصلحة الرئيسيين الآخرين لتحويل السلطة القضائية بعيدا عن التدخل السياسي الذي شوه استقلالها ومصداقيتها.

 

- يجب منح القضاة ضمانات مالية ومعنوية، والحق في الوصول على قدم المساواة إلى المعهد القضائي على أساس الجدارة والكفاءة. وينبغي للمجلس الأعلى للقضاء أن يكفل التمثيل العادل والكافي للقاضيات والقضاة الشباب، وأن يكفل أخيرا أن تكون تعيينات 3 أعضاء بحكم مناصبهم في المجلس قد تم توجيهها بعيدا عن التدخلات الصادرة عن وزير العدل.

 

- يجب أن يكون لاختيار أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وانتخابهم مبادئ توجيهية وأطر واضحة تضمن الكفاءة والاستقلالية عن الأطراف التنفيذية / الخارجية وتوفر التدريب المستمر والمتخصص للقضاة، في جملة أمور. وينبغي للدستور أن يضفي الطابع المؤسسي على استقلال القضاء، داخليا من خلال ضمانات تحمي القضاة الأفراد من الضغوط غير المبررة من داخل السلطة القضائية، وخارجيا من السلطتين التنفيذية والتشريعية. يمكن أن يكون التشريع المذكور أعلاه بمثابة بديل.

 

- ولدى تقييم عمل القضاة، ينبغي إنشاء لجان مستقلة للإشراف على عمل القضاة وتقييمه، بما يشكل الأساس لتناوب القضاة.