freemedia.jpg

ملف الحريات الاعلامية

تزايدت في الاشهر القليلة المنصرمة الملاحقات الجزائية في قضايا الرأي والتعبير وطالت عددا من ناشطي الفضاء الألكتروني اعلاميين ومؤسسات اعلامية بجرائم مختلفة ابرزها القدح والذم والتحقير بحق شخصيات عامة في اطار برامج تلفزيونية، ابرزها برنامج كلام الناس الذي يقدمه الاعلامي مارسيل غانم وبرنامج لهون وبس للإعلامي هشام حداد، ويتم بث البرنامجان عبر شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال LBCI.  

تثير هذه الملاحقات العشوائية القلق على الحريات الاعلامية في مرحلة دقيقة تمر بها الحياة السياسية اللبنانية، ونحن على ابواب انتخابات نيابية من شأنها ان تزيد من سخونة الخطاب السياسي وما يترافق معه من تغطيات اعلامية ومواقف على كافة الاصعدة.

الاعلام هو حاجة ضرورية للمجتمع الديمقراطي لمناقشة قضايا الشأن العام في ادق تفاصيلها ووضعها في متناول وحكم الجمهور. وفي هذا الاطار يشكل الاعلام مساحة للحوار بين الاراء المتناقضة ومنبرا للتنوع وحرية الراي والتعبير وتداول المعلومات.

انطلاقا من هذه الاعتبارت تتناول مؤسسة مهارات في هذا الملف قضية ملاحقة الاعلاميين جزائيا وما اثارته قضية الاعلامي مارسيل غانم من اشكاليات حقوقية وقانونية تستدعي الاحاطة بها وابداء الراأي المتجرد بما يخدم المصلحة العامة.

اهم الاشكاليات والتساؤلات التي تطرحها هذه القضية تتمحور حول التالي:

- ما هي حدود حق نقد الشخص العام ودور القاضي في صون الحريات العامة ورسم حدود هذا الحق في مجتمع ديمقراطي تعددي؟  

- هل النصوص القانونية الجزائية الحالية تتوافق مع حرية الاعلام وما هي الضمانات للجسم الاعلامي والصحافي؟

- ما هي مسؤولية الاعلامي وصاحب المؤسسة الاعلامية عن اقوال ضيف الحلقات الحوارية؟ 

- هل من واجب الاعلامي نفي كلام ضيفه وشجبه في حال التعرض لأحد الاشخاص المحميين بموجب القانون؟ 

- هل من واجب الاعلامي والمؤسسة الاعلامية قطع البث المباشر مع الضيف المحاور في حال تمادى في خرقه لأحكام القانون اللبناني؟ 

- هل يحق للنائب العام ان يطلب استماع افادة صحافي او اعلامي في قضايا النشر؟

- هل يحق لقاضي التحقيق وضع يده على قضية نشر واستجواب الصحافيين وتوقيفهم واصدار المذكرات القضائية بحقهم؟

- هل انتهكت السلطات القضائية حقوق الاعلامي مرسال غانم وخالفت احكام القانون؟

- وهل استدعاء مارسيل غانم للإستماع الى افادته من قبل عناصر قوى الامن الداخلي بخصوص حلقته التلفزيونية قانوني ومبرر؟

اسئلة جوهرية تستدعي البحث والتفكير والتأمل وطرح الحلول والبدائل من خلال المبادئ العامة والنصوص والاجتهادات والمواقف المختلفة.

 

انطلاقا من التساؤلات اعلاه يمكن تقسيم القضية المطروحة الى ثلاثة عناوين رئيسية:

اولاً: الحريات الاعلامية وحق النقد ركيزة النظام الديمقراطي

ثانياً: مسؤولية الاعلامي خلال البث المباشر

ثالثاً: ضمانات الجسم الاعلامي والصحافي وتحصين الحريات الاعلامية (قانون الاعلام الجديد)

 

اولاً: الحريات الاعلامية وحق النقد ركيزة النظام الديمقراطي

أ- حرية الاعلام هي من ركائز الديمقراطية وفق أحكام الدستور اللبناني:

نصت مقدمة الدستور في الفقرة (ب) ان لبنان ملتزم بمواثيق منظمة الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى الدولة تجسيد هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء. كما نصت الفقرة (ج) من مقدمة الدستور نفسها ان احترام الحريات وفي طليعتها حرية الراي والمعتقد هي من دعائم النظام الديمقراطي. وقد اكد المجلس الدستوري اللبناني ان قوام الديمقراطية يكون في احترام الحقوق والحريات العامة (قرار رقم 1\97 تاريخ 12\9\1997).

هذه المقدمة التي اضيفت الى الدستور اللبناني بموجب القانون الدستوري الصادر في 21/9/1990 او ما عرف بتعديلات الطائف، اعتبرها المجلس الدستوري في قراره المبدئي رقم 1/97 المشار اليه، جزءا لا يتجزأ من احكام الدستور وتتمتع بقيمة دستورية شأنها في ذلك شأن احكام الدستور نفسها وهي بالتالي تضفي ضمانات دستورية جديدة للحقوق والحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والتعبير المنصوص عنها في المادة 13 من الدستور.

هذا وقد اكدت المادة 3 من قانون البث التلفزيوني والاذاعي رقم 382/94 ان الاعلام المرئي والمسموع حر وتمارس حرية الاعلام في اطار احكام الدستور والقوانين النافذة.

ب- الضمانات القضائية لصون الحريات العامة بما فيها حرية الاعلام:

يضطلع بمهام حماية الحريات العامة وحرية الاعلام وضمان المساواة بين اللبنانيين السلطة القضائية التي لم ينص الدستور صراحة على استقلاليتها من تدخلال السلطة السياسية وانما فقط، أكدت المادة 20 من الدستور على حصانة القاضي واستقلاليته في اجراء وظيفته. أما شروط الضمانة القضائية اللازمة للقضاء والمتقاضين وحدودها ترك امر تعيينها للقانون. من هنا اهمية زيادة الضمانات القانونية التي تكفل استقلالية القضاء كسلطة قائمة بحد ذاتها بعيدا عن اي وصاية سياسية قد تنتجها القوانين الراهنة.

ج- حق نقد رئيس الدولة والموظفين العموميين من مرتكزات الديمقراطيات الحديثة:

تنص المادة 49 من الدستور ان "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور".

هذه الهالة المعنوية لرئيس الجمهورية في الانظمة البرلمانية متوارثة عن الانظمة الملكية التي تحولت الى الديمقراطية، بحيث اصبح دور الملك فيها كما في بريطانيا لا يتعدى نطاق الرمزية والتقدير الذي يحظى به بوصفه ممثل الدولة ورمز من رموز السيادة الوطنية.

وبالرغم من ذلك فإن بعض الدول الاوروبية مثل هولاندا قد تصل فيها عقوبة اهانة الملك إلى خمس سنوات حبس وغرامة مالية تبلغ عشرين الف يورو، حيث حكمت محكمة هولندية في منتصف العام 2016 على رجل يبلغ من العمر 44 عاما بالحبس لمدة ثلاثين يوما بسبب إهانة الملك ويليم الكسندر عمدا على فيسبوك متهما اياه بانه "قاتل ولص ومغتصب". وبلغ مجموع الدعاوى القضائية التي رفعت بموجب القانون 18 قضية بين عامي 2000 و 2012، أسفر نصفها عن إدانات. اما في سويسرا ان إهانة دولة أجنبية في شخص رئيسها يعرض صاحبها لعقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات أو للغرامة النقدية.

اما في فرنسا البلد الذي نتشبه به في الكثير من القوانين والانظمة، فقد تم في العام 2013 الغاء جريمة اهانة رئيس الدولة ورؤساء الدول الاجنبية المنصوص عنها في قانون حرية الصحافة للعام 1881، لتكييف القانون الجزائي الفرنسي مع توجيهات الاتحاد الاوروبي ومعايير القانون الدولي. حيث اعتبرت اللجنة التي تناقش القانون انه إذا كان من الواضح أن رئيس الجمهورية يستحق الاحترام، وانما تجريم اظهار قلة الاحترام للرئيس لم يعد له ما يبرره في الانظمة الديمقراطية الحديثة.

وهنا يجب ان نفرق بين الاهانة او تحقير رئيس الدولة واظهار قلة الاحترام له التي لم تعد مجرمة في القانون الفرنسي وبين جرم التشهير الذي يتضمن نسبة افعال تسيء الى شخصه كرئيس للدولة الذي يعاقب عليه بالغرامة بمبلغ 45 الف يورو كحد اقصى.

وبالمقارنة مع النظام الفرنسي الشبه الرئاسي حيث يلعب الرئيس دورا فاعلا في الحياة السياسية من خلال الصلاحيات الواسعة التي يتولاها تجاه الحكومة، فرئيس الجمهورية اللبناني بالرغم من تقليص صلاحياته بعد الطائف، لا يزال يمارس بعض الصلاحيات الدستورية الاساسية التي تسهم في انتظام عمل المؤسسات وسيرها ولو بشكل مقيد ويلعب دورا اساسيا في الحياة السياسية والوطنية.

وبالتالي فإن افعال رئيس الجمهورية واداءه لوظيفته العامة يخضع للنقاش والنقد من قبل الرأي العام والصحافة ووسائل الاعلام، على غرار ما يسري على أداء كل من رئيس الحكومة او اي وزير او موظف عام فيما يتعلق بالمهام الموكلة اليهم في ادارة الشأن العام.

د- القيود المكبلة لحق النقد في القوانين اللبنانية:

حق النقد في القوانين اللبنانية مباح بحق الموظفين العموميين بإستثناء رئيس الجمهورية. وقد اعتبرت المادة 350 من قانون العقوبات انه يعد موظفاً بالمعنى المقصود في هذا الباب "كل موظف في الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والجيش والقضاء وكل عامل أو مستخدم في الدولة وكل شخص عين أو انتخب لأداء خدمة عامة ببدل أو بغير بدل."

وضع المشترع اللبناني قيودا على حرية نقد الموظفين العموميين وأراد من حماية افراد السلطات العامة حماية السلطة العامة التي يجسدونها والتي يمارسون اعمالهم باسمها.

من هذه القيود تلك المفروضة على حرية تناول رئيس الجمهورية كتابة او قولا او عبر البث الألكتروني.

فقد حظّر قانون العقوبات اللبناني الصادر في العام 1943 على اي كان سواء كان صحافي او اعلامي او مواطن عادي ان يتعرض لرئيس الجمهورية بالتحقير او الذم او القدح ولا يعتد بأي وثائق او مستندات او وقائع او حجج يدلى بها للإستفادة من اعلان البراءة المنصوص عنه في المادة 387 من قانون العقوبات إذا كان موضوع الذم عملاً ذا علاقة بالوظيفة وثبتت صحته. كما حظر قانون جرائم المطبوعات اي المرسوم الاشتراعي رقم 104/77 المعدل لقانون المطبوعات "المس بكرامة الرؤساء" في المادة 23 والتعرض عبر وسائل الاعلام لشخص رئيس الدولة سواء عبر المس بكرامته بشكل مطلق او نشر ما يتضمن تحقيرا، قدحا وذما بحقه او بحق رئيس دولة اجنبية وفق التعريفات والشروط المنصوص عنها في قانون العقوبات. وتصل عقوبة المس بكرامة الرئيس الى السجن لمدة سنتين ودفع غرامة تصل الى مئة مليون ليرة لبنانية.

فالمبدأ العام في القانون اللبناني ان الاثبات ممنوع بوجه رئيس الجمهورية. وانتقاد افعال الرئيس هي مجرمة بشكل عام لحجب القانون عن المنتقد العذر المُحِل من المسؤولية اي اثبات صحة الافعال المنسوبة للرئيس.

ولكن بخلاف الرئيس سمح النص القانوني في المادة 387  للمنتقد ان يبرأ من جرم الذم اذا اثبت صحة اقواله اي صحة الافعال التي نسبها للموظفين العموميين الاخرين المعددين حصرا في نص المادة 350 من قانون العقوبات اعلاه والا يكون عرضة لعقوبة جرم الذم.

هـ - موقف القضاء اللبناني المتقدم بموضوع الحريات الاعلامية وصون حق النقد:

ليس مطلوبا من الصحافي او الاعلامي او صاحب النقد تقديم اثبات قاطع لإنتقاداتهم، واعتبرت محكمة التمييز الثالثة في قرار لها بتاريخ 24/3/2010 أن إثبات صحة الوقائع موضوع الذم إنما يعني إقامة الدليل على أنها ليست كذبا مجردا أو اختلاقا ودونما حاجة لتقديم الدليل القاطع الحاسم على صحة كل واقعة من الوقائع المسندة لمن يدعي بأن ذما قد لحق بشرفه واعتباره. وفي هذا السياق اعتبرت محكمة التمييز طالما أن إثبات المنحى العام المنحرف للسلوك الوظيفي يعني إثباتا لصحة الوقائع موضوع الذم المشار إليه في المادة 387 عقوبات.

كما ان حرية الاعلام تتسع خارج اطار التفسير الضيق للنص في برامج الحوارات السياسية التي تواكب قضايا الساعة والاحداث السياسية الآنية وهذا ما ارساه منحى اجتهاد محكمة التمييز في التفسير في قرارات سابقة، كان آخرها القرار رقم 5 تاريخ 12/1/2016.

وهذا المنحى المعزز لحرية النقاش العام قضى بأن تبادل المواقف السياسية المتعارضة بين المتحاورين في اطار برنامج سياسي تلفزيوني مباشر على الهواء، يغدو امراً عادياً من حيث المبدأ، ولو رافقه بعض الحدة في الخطاب أو في بعض التعابير المستعملة، ما دام الامر لم يتخط آداب التخاطب أو يقع تحت ما يحظره القانون من تحقير وخلاف ذلك.  والكلام الذي قد يصدر عن شخص سياسي بحق شخص سياسي آخر، يتعين عدم عزله عن الظروف المحيطة به والمقدمات التي ادت اليه، وانما يُنظر اليه نظرة خاصة في ضوء الوضع السياسي العام السائد في البلاد، حيث من المألوف والمشاهد في المراحل الصعبة والأزمات السياسية التي يمر بها أي بلد، ان تعلو حدة الخطابات والمواقف بين السياسيين، فيتلقفها المواطنون بالشكل والاطار الواردة فيه بسهولة وقابلية اكثر مما هي الحال في الاوضاع العادية وحالات الاستقرار، ما يؤدي بالتالي إلى جعل الركن المعنوي في جرائم القدح والذم والتحقير منتفياً على وجه عام في مثل هذه الاحوال، ما دام الفعل لا ينطوي على أي الفاظ شائنة بذاتها أو مسيئة لكرامة الشخص وشرفه، بعيداً من ادائه السياسي العام.

اما في ما يتعلق ببرامج النقد الفكاهية الساخرة فقد اعتبرت محكمة استئناف بيروت ان للعرض المسرحي وخصوصا الكوميدية هامشا واسعا للتعبير ويتم تفسير القيود الواردة على التعبير بشكل أضيق عندما يطال الفن بناء على أن "ما هو جائز على المسرح غير مسموح في الأماكن العام" كما أن الدافع الكوميدي لتلك الاعمال يؤدي الى انتفاء النية الجرمية طالما انها جاءت بهدف اضحاك الناس تحقيقا للغاية الاساسية من العرض المسرحي.

هذا وقد اكدت المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان في اكثر من منازعة قضائية تتعلق ببرامج نقد ساخرة "أن السخرية هي شكل من أشكال التعبير الفني والنقد الاجتماعي، وبطبيعة الحال، فهي من خلال سماتها المتأصلة في المبالغة وتشويه الواقع، تهدف بطبيعة الحال إلى الاستفزاز والاثارة. وبناء على ذلك، فإن أي تدخل في حق الفنان في مثل هذا التعبير يجب أن يدرس بعناية خاصة، وخصوصا اذا اتى هذا النوع من التعبير على خلفية نقد ومناقشة سياسية. فيؤخذ بعين الإعتبار السياق الذي مرت به الدعابة، والاسلوب الساخر والفكاهي للبرنامج التلفزيوني، اذا كان الشخص المعني بالنقد شخصية عامة ام لا. اضافة الى مدى توفر النية في الاساءة الى سمعة المدعي الشخصية، كما وتقييم الطريقة التي يمكن أن ينظر بها مشاهد عادي للبرنامج الكوميدي والنكتة او المشهد الساخر المطعون فيها بدلا من مجرد النظر في ما شعر أو فكر به المدعي.

 

ثانيا: مسؤولية الاعلامي خلال البث المباشر

أثارت الحلقة التلفزيونية لبرنامج كلام الناس بتاريخ 9 تشرين الثاني لغطاً حول مسؤولية القناة ومقدم البرنامج بالإساءة الى رئيس الجمهورية عبر استضافة ومحاورة المحللين السعوديين إبراهيم آل مرعي وعضوان الأحمري بواسطة البث والاستقبال الفضائي المباشر من خارج الاراضي اللبنانية، وقد وجها انتقادات قاسية لرئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي وقائد الجيش دون ان تعمد القناة عبر المدير المسؤول عن البرنامج السياسي او من خلال مقدم ومدير الحلقة الحوارية على الاعتراض على هذا الكلام وعدم اتخاذ موقف منه والتحذير بقطع البث في حال التمادي والتكرار. لاسيما انها اخذت منحى تصعيدي في الادعاء على غانم ومدير البرامج السياسية بجرم التدخل في جريمة الذم بحق رئيس الجمهورية وتحقير وزير العدل والتمرد بعدم الاستجابة للإجراءات القضائية.

موضوع حق نقد الشخص العام ومدى حجية الاثباتات المقدمة ناقشناها في القسم الاول اعلاه وسوف نتطرق لموضوع الاجراءات الجزائية بحق الاعلاميين الصحافيين والضمانات والحصانات الاعلامية في القسم الثالث، اما في هذا القسم سوف نتطرق لمسألة مسؤولية الاعلامي خلال البث المباشر من خلال الاجتهادات القضائية في هذا الاطار.

فعنصر المفاجأة في مضمون جواب الضيف في برنامج تلفزيوني حواري بمعرض البث التلفزيوني المباشر ينفي مسؤولية مقدم البرنامج والقناة التلفزيونية كونه تصبح مسألة اثبات توافر النية الجرمية لديهما امراً مشكوكاً فيه لصعوبة تصور امكانية توقعها لما سيكون عليه جواب الضيف في اتصال هاتفي مباشر يبث مباشرة على الهواء. هذا ما توصل اليه اجتهاد محكمة استئناف بيروت الناظرة في قضايا المطبوعات والمؤلفة من الهيئة الحاكمة: الرئيس لبيب زوين والمستشاران وائل مرتضى وغادة عون في قضية شركة مر تلفزيون ش. م. ل./ المؤسسة اللبنانية للارسال ش.م.ل. وانطوان الشويري في القرار رقم 158/2000 الصادر بتاريخ 13/11/2000.

 

ثالثاً: ضمانات الجسم الاعلامي والصحافي وتحصين الحريات الاعلامية (قانون الاعلام الجديد)

أ- الضمانات الراهنة:

أقر قانون المطبوعات الحالي وتعديلاته لاسيما المرسوم الاشتراعي 104/77 بعض الضمانات للجسم الصحافي ويمكن تلخيصها بما يلي:

- يسقط حق الادعاء الشخصي على الصحافيين بعد ثلاثة أشهر من النشر، هذا الحق يسقط بعد ثلاث سنوات في الجرائم الجنحية الاخرى. (المادة 17).

- لا يجوز التوقيف الاحتياطي في جميع جرائم المطبوعات، اي ان الصحافي تستمع افادته فقط خلال اجراءات التحقيق والمحاكمة دون حق اي سلطة قضائية في توقيفه واحتجاز حريته قبل صدور حكم مبرم عن المحكمة المختصة. (المادة 28)

- تحال الدعاوى الى محكمة المطبوعات مباشرة، بإستثناء القضايا التي تستلزم تحقيقاً قضائياً فيقوم به قاضي التحقيق على ان يحيل القضية على المحكمة في مهلة لاتتجاوز خمسة ايام. (المادة 29)

ب- هل الضمانات اعلاه تسري على الاعلاميين في الاعلام المرئي والمسموع؟

 الجواب نعم وهذا ما اكدته محكمة التمييز في قرارها رقم 17/2000 تاريخ 18/1/2000 الصادر عن الغرفة الجزائية الثالثة برئاسة القاضي عفيف شمس الدين، وعضوية المستشارين الياس عبد الله وانطوني عيسى الخوري وقد اكدت المحكمة ان تطبيق قانون المطبوعات على الاعلام المرئي والمسموع المنصوص عنه في المادة 35 من القانون رقم 94/353، يعني تطبيق كافة احكامه بما في ذلك النصوص المتعلقة باصول المحاكمة وبالصلاحية.

هذا وقد نصت المادة 5 من قانون البث التلفزيوني والإذاعي رقم 353 - صادر في 28/7/1994 المعدل بموجب القانون 382 تاريخ 14/11/1994 على انه في حال عدم تقيد مؤسسات الإعلام المرئي والمسموع بأحكام هذا القانون تطبق بحقها أحكام قانون المطبوعات.

وقد اكدت محكمة التمييز في عدة قرارات ان المحكمة الصالحة في النظر في الجرائم التي تتم بواسطة المؤسسات التلفزيونية والاذاعية تعود لمحكمة المطبوعات.

اذا والحال هذه ان الضمانات التي يتمتع بها الصحافيون والاعلاميون في الاعلام التلفزيوني والاذاعي تشمل عدم جواز التوقيف الاحتياطي قبل صدور الحكم النهائي عن المحكمة وكذلك عدم جواز التعسف في احالة اي قضية نشر الى التحقيق القضائي امام قاضي التحقيق طالما لا تستوجب هذه القضية التحقيق في وقائعها على ما نصت المادة 29 من المرسوم الاشتراعي 104/77 المذكور اعلاه.

ج- هل توفرت الضمانات الاعلامية في قضية ملاحقة الاعلامي مارسيل غانم وهشام حداد؟

بمراجعة الاحداث والاجراءات التي رافقت وسبقت الادعاء على غانم واحالته على قاضي التحقيق، ان الضمانات التي يوفرها قانون المطبوعات لناحية اصول المحاكمات لم تراعَ. ونص المادة 29 واضحة وصريحة: جرائم المطبوعات ينظر فيها قاضي التحقيق فقط دون غيره من قضاة النيابة العامة او مخافر التحقيق التي لا يمكنها ان تستمع الى الافادات وتجري اي تحقيق اولي في القضية. وحتى صلاحية قاضي التحقيق لا تتحقق الا اذا استدعت القضية تحقيقا استنطاقيا"، وما عدا ذلك تحال القضية الى محكمة المطبوعات التي تنظر في القضية علانية. وهذا ما عادت واستدركته النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون عندما احالت الاعلامي هشام حداد مباشرة الى محكمة المطبوعات في جبل لبنان دون اخضاعه لأي من اجراءات التحقيق الاولي او الاستنطاقي، وهذا ينطبق مع الضمانات المنصوص عنها في المادة 29 من المرسوم الاشتراعي 104/77 المذكور اعلاه.

د- هل من صلاحيات المحكمة العسكرية ملاحقة الصحافيين والاعلاميين بسبب الاراء التي يبدونها؟

اصدرت المحكمة العسكرية حكما غيابياً على الصحافية حنين غدار بالسجن 6 أشهر على خلفية تصريحات لها طالت الجيش اللبناني، على خلفية مشاركتها في العام 2014 في ندوة في واشنطن من تنظيم "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" قالت فيها إن "الجيش اللبناني يميّز بين ارهاب سني وإرهاب شيعي، ويتسامح مع الاخير."

تستند المحكمة العسكرية في ملاحقة الاشخاص الذين ينشرون أقوال او كتابات او رسوم تعتبرها المؤسسة العسكرية تمس بالجيش أو بكرامته وسمعته او معنوياته على احكام المادة 157 من قانون القضاء العسكري للعام 1968 والتي تصل عقوبة السجن فيها الى ثلاث سنوات.

المادة 157 اعلاه ادخل عليها تعديل في العام 1971 جعلها لا تنطبق على المطبوعات الصحافية نظرا لتعارضها مع حرية الصحافة والضمانات التي ترعى حرية الراي والتعبير في الدستور والقوانين اللبنانية. هذا وقد ضمنت"مهارات" في اقتراح قانون الاعلام الجديد الذي يناقش في المجلس النيابي نصا يلغي احكام المادة 157 من قانون القضاء العسكري.

هـ - الضمانات المرجوة للجسم الاعلامي في قانون الاعلام الجديد:

انطلاقا من الثغرات الحالية في قانون المطبوعات والقوانين الاخرى التي ترعى تنظيم الحريات الاعلامية في لبنان تقدمت مؤسسة مهارات بإقتراح قانون بالتعاون مع النائب غسان مخيبر في العام 2010 وانهت لجنة الاعلام والاتصالات مناقشته في العام نهاية العام 2016، ليحال مجددا الى لجنة الادارة والعدل لإقرار المسودة النهائية حوله.

في الاقتراح الاساسي المقدم من مهارات والنائب مخيبر جملة ضمانات اساسية لحرية الاعلام في حال اقرارها ان تصون كرامة الصحافي وتبعده عن اي تجاذبات سياسية قد تطرأ في قضيته او استنسابية في الملاحقة وهذه الاصلاحات تختصر المشهد السابق عبر حظر التحقيق مع الاعلامي امام المخافر وقضاة التحقيق والنيابات العامة وانما تحال اية شكوى او ادعاء مباشرة امام المحكمة المختصة لتبدأ مرحلة الدفاع عبر التمثل بمحام في جلسات علنية وشفافة.

كما تضمن الاقتراح جملة اصلاحات اخرى تتعلق بإلغاء احكام المادة 157 من قانون القضاء العسكري وإلغاء عقوبة الحبس في قضايا الراي والتعبير وتوسيع مفهوم نقد الشخص العام ليأتلف مع الاجتهادات الجريئة للقضاء اللبناني التي سبق الاشارة اليها وللمعايير الدولية بخصوص حرية الراي والتعبير وحرية تداول المعلومات التي التزم لبنان بها في مقدمة الدستور المشار اليها في القسم الاول.