2nd day.jpg

اليوم الثاني لمؤتمر ”الأخبار المزيّفة وديمومة الإعلام“

يستمر مؤتمر ”الأخبار المزيّفة وديمومة الإعلام“ في يومه الثاني في نقاش ظاهرة الأخبار المزيّفة ومواجهة الإعلام لها مستضيفاً مشاركين من حول العالم. المؤتمر الذي تنظّمته مؤسسة ”مهارات“ وأكاديمية ”دويتشه فيله“ كان انطلق يوم أمس 24 نيسان ويستمر حتى غد الخميس 26 نيسان/ أبريل 2018، في فندق كراون بلازا في الحمراء في بيروت. ويأتي المؤتمر ضمن برنامج ”مختبر ديمومة الإعلام الرقمي“ الهادف إلى تأمين حلول بديلة للمشاكل التي تواجهها الوسائل الإعلامية في العصر الرقمي، خاصة فيما يتعلق بموضوع الديمومة، وذلك عبر الدعم لتطوير نماذج عمل تؤمن التوازن بين إنتاج المحتوى الجيد وتأمين الإستدامة

مواجهة الأخبار المزيّفة في عصر التواصل الاجتماعي

وانعقدت اليوم، جلسة أولى بعنوان "مواجهة الأخبار المزيّفة في عصر التواصل الاجتماعي"، انطلاقاً من أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول على الأخبار اليوميّة، خصوصاً أن تلك المنصّات لا تتولّى غالبًا تدقيق المعلومات قبل نشرها. إضافة إلى تحكّم الشركات المشغلة لتلك المنصات بتفضيلاتنا الافتراضية، وتزويدنا تحديدًا بالأخبار التي نريد أن نراها، سواء كانت حقيقيّة أم مزيّفة. وحاولت الجلسة الإجابة على سؤالين أساسيين: هل لمواقع التواصل دور في مكافحة التضليل؟ وكيف يمكن تعزيز مكانة الإعلام الجدّي في مكافحة هذه الظاهرة؟. أدارت النقاش ديما ترحيني، مذيعة ومحرّرة في "دويتشه فيله" عربية في ألمانيا،  وشارك فيها عدد من الباحثين والصحافيين. واعتبر وليد السقاف، محاضر في الصحافة وتقنيات الإعلام من جامعة سودرتورن في استوكهولم، أن الداتا التي جمعت منذ عام 2016 مثلًا أضخم من كل البيانات التي جمعت منذ فجر الإنسانيّة، مضيفاً "أن شركات السوشل ميديا تهدف إلى الربح وجني المال وهي بطبيعة الحال مؤسسات لا تبحث تبحث عن مصلحة المواطن". ورأى نديم قبيسي، باحث في علوم التشفير في المعهد الوطني للأبحاث المعلوماتية والأوتوماتيكية (INRIA) في باريس ومؤسس ومديرSymbolic Software، أن "الأكاذيب تسير أسرع من الحقيقة لأنها تلعب على مخاوف الناس، فيما الشائعات موجودة منذ زمن طويل، ولكن ما حصل الآن أنها باتت تنتشر بسرعة فائقة وتصل لملايين الناس". بدورها تحدثت كارول كرباج، محرّرة ورئيسة قسم الأبحاث والبيانات "أريج"، عن تجربتها في هذا الإطار. فيما لفتت مادونا خفاجة، مديرة البرامج في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المركز الدولي للصحافيين، إلى أن العلاقة بين السوشل ميديا والصحافة لم تكن "جميلة حتى الآن"، وأضافت "نعمل فيICFG على برنامج ردم الهوة بين الاثنين، من خلال تعاوننا مع غوغل".

هل نعيش في عالم "ما بعد الحقيقية"؟

للبحث في تبعات انتشار الأخبار الكاذبة، كانت حلقة نقاش بعنوان " هل نعيش في عالم ما بعد الحقيقية؟"، أدارها مارتن فوغل، مدير البرامج في "دويتشه فيله". وإذ بات من يتحكمون بزمام السلطة حول العالم، أقلّ اكتراثًا بعواقب الكذب على الجمهور، طرحت الجلسة سؤالين أساسيين: هل دخلنا في “عالم ما بعد الحقيقة” حيث لم يعد للوقائع أيّ أهمية؟ ما هي تبعات هذا التحوّل؟. وتنوّعت محاولات الإجابة لدى المشاركين، حيث اعتبلا الصحافي وائل عبد الفتاح، مؤسس موقع "مدينة" في مصر، أن "عالم ما بعد الحقيقة هو العالم الذي عشناه في ظل الأخبار الكاذبة". وتطرق إلى أن مناقشة مسألة الأخبار المزيفة في منطقتنا يبيّن أكثر تعدد مصادرها، وهي غالبا السلطة، وقال "عالم ما بعد الحقيقة هو ما عشناه منذ ستين عامًا. فلماذا نطرح هذا السؤال في هذه المنطقة الآن؟ لا يمكن الحديث عن كذب في منطقة لا حقّ فيها بالحصول على المعلومات". وفي السياق أكد ربيع بركات، محاضر في برنامج الدراسات الإعلاميّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، أن الكذب لطالما وجد في السياسة"، ورأى أن "عالم بعد الحقيقة" سببه وصول ترامب وكذلك Brexit. وسأل بركات عن الجدوى في حين أنه ثمة تكرار لتوجهاتنا في ما نراه عبر السوشيل ميديا على اعتبار أن هذه الأخيرة تظهر لنا المواضيع والآراء المطابقة لما ننشره، معتبراً أن "ما تغير وأثر على تشكيل ظاهرة ما بعد الحقيقة هو تضخم البيانات ودور مواقع التواصل في خلق ظاهرة الفقاعة". وأوضح بركات أن عالم ما بعد الحقيقة جاء بعد الربيع العربي في مجتمعنا. أما الصحافي آرون شاروكمان، المدير التنفيذي في “بوليتيفاكات” في الولايات المتحدة، فقد تناول مسألة وصول ترامب إلى الرئاسة وكيف أحدثت تغييراً كاملاً في المعادلة في البيت الأبيض وفي الصفقة السياسية بمجملها، فهو يتحدث ما يخطر في باله وبسرعة أكبر.

وكانت مشاركة من الأرجنتين لآنا بولا فالاكو، مسؤولة التواصل والتطوير المؤسساتي في CHEQUEADO، وركّزت في مداخلتها على العلاقة بين الصحافة والسياسيين والرأي العام في الأرجنتين وتحكم السياسة بالأخبار. بينما طرح الصحافي الألماني هاردي بورتمان، رئيس تحرير منصة "راينكار بلوغ"، السؤال حول ما هي الحقيقة؟ وسأل أيضاً عن دور ترامب. وأجاب "لا شك أنه مسل ويغرّد عبر تويتر وتنتشر تغريداته عبر المواقع من دون تقصي، هنا الصحافيين لا يلعبون دورا". وفي المقابل لفت إلى أن "النظام الإعلامي في ألمانيا فاعل وجيد، لذا الاخبار المزيفة في ألمانيا لا تشكل مشكلة لدينا كما في باقي الدول"، معتبراً أن "المنظومة الإعلامية في ألمانيا هي الأقوى في العالم، والأخبار المزيّفة ليست سهلة الإنتشار أبداً بسبب التدقيق والتقصّي".

الأخبار المزيّفة في مناطق الصراع

وانطلاقاً إتاحة الحروب المجال لانتشار الأخبار المزيّفة والتضليل ونتائجها الكارثية، عقدت جلسة ناقشت مسألة تدقيق المعلومة خلال النزاع وكيفية تخفيف المخاطر في ميدان تتضارب فيه أخلاقيات المهنة، إلى متطلبات العمل الاحترافي والسبق الصحافي والانحيازات السياسيّة. وحاول المشاركون الإجابة على سؤال: ما هي “الحقيقة” في الحرب؟ وهل الانحياز شرّ لا بدّ منه؟. أدارت الجلسة ليال بهنام، مديرة البرامج في مؤسسة مهارات.

عن تجربة الوكالات مع تغطية الحروب والتدقيق في المعلومات، تحدث جان مارك موجون، مدير مكتب بيروت في “وكالة فرانس برس”، قال: "اعتمدنا على الصحافيين المواطنين في بداية الحرب في سوريا مما دفع الوكالة إلى تدريب أولئك لأنهم لا يملكون الخبرة وقد استطاعوا تغطية أخبار هامة جدا، وقد أجبرنا على طريقة التعامل هذه، وبالاعتماد عليهم كمصادر أخضعنا الأخبار التي يقدمونها للتدقيق" وأضاف "تصلنا نحو 350 صورة في اليوم ونحو 20 فيديو وهذا يحتاج إلى تدقيق ولا ننشر منها إلا القليل. ثمة مراحل وخطوات نعتمدها للتأكد من صحة الصورة، ونشدد على حيازة البيانات الميتا داتا المتعلقة بالكاميرا، كما نستخدم برامج متخصصة تعالج الصور والبيانات للتأكد منها قبل نشرها".

وفي ما يخص تجربة الصحافيين المستقلين، تناولت نور سماحة، صحافيّة مستقلّة من لبنان، تجربتها إذ أكدت أن "العاتق يقع على الصحافي المستقل في تعزيز مواده بالحقائق قبل إرسالها إلى المحرر وإلا قد يقرر عدم التعاون معك في المستقبل"، ولفتت إلى الصعوبات التي يواجهها الصحافي المستقل للتحقق من معلوماته.

وكانت مداخلة لديما ناصيف، مديرة مكتب دمشق في قناة “الميادين”، تناولت فيها الانتشار السريع للتنسيقيات في الحرب السورية واعتمادها لتعابير ومصطلحات انتشرت لاحقاً على باقي وسائل الاعلام. واعتبرت أن "تجربة "الميادين" سحبت الاحتكار من وسائل الاعلام، وأن "الصحافي خلال تغطيته الحروب لا يمكنه التنقل على كافة الجبهات والاطلالة على كل الحقيقة".

أما حسن الحاف، مدير مكتب بيروت في “التلفزيون العربي”، فأشار إلى أنه "لا حقيقة في الحرب"، وتطرق إلى مسألة التمويل الخارجي للمؤسسات وكيف تؤثر إدارة المؤسسات على التحقق من المعلومات. ولفت إلى "أن الكثير من المؤسسات تنشر مواد تعرف انها غير صحيحة لكنها تخدم الجهة السياسة التي تؤيدها المحطة من غير أن تكون الجهة التمويلية بالضرورة تلزم المؤسسة بنشر الاخبار المزيفة". واعتبر "أن التنسيقيات في سوريا كسرت احتكار الجهة الواحدة التي كانت تتحكم بالأخبار، فيما الكثير من الفيديوات التي يرسلها الموطنون المتعاملون مع التلفزيون نطالبهم بالتحقق منها لكن هامش الخطأ موجود". وقال "ثمة أحداث نتابعها بعد نشرها في الوكالات العالمية وإذا نشرنا مواد منشورة اصلا في السوشيل ميديا فإننا نشير إلى اننا لم نستطع التأكد من صحة محتواها".

وانفردت عليا إبراهيم، الشريكة المؤسسة لموقعان "درج" في لبنان، بالتحدث عن تجربة الموقع المستقل بينما بعدما عملت سابقاً في وسائل إعلامية، وأكدت "أن عدم السماح للصحافيين بالدخول الى المناطق في بداية الازمة السورية أجبر الوسائل الاعلامية على الاعتماد على الناس من داخل المناطق ولاحقا تحسن عملهم في نقل الأخبار وبعضهم تحول إلى صحافيين". ولفتت إلى أن تجربة درج الذي انطلق قبل أشهر تهدف إلى "عرض القصة الثالثة أي تلك التي لا ترويها المؤسسات الممولة من طرفي النزاع ولكن ليس عبر الأخبار العاجلة بل عبر التحقيقات أو التحليل ونحن مممولين من جهات اوروبية لكننا مستقلين".

وكانت في ختام اليوم جلسة تشبيك مع خبراء ومشاركين في المؤتمر توزعوا على زوايا واستمعوا إلى المشاركين وأجابوا على أسئلتهم.